الأربعاء، 25 يوليو 2012

ملحق رمضان ....بديعة مصابني

ولدت عام 1892 لعائلة مارونية لبنانية
"بديعة مصابني" ملكة المسارح الاستعراضية
·       نزلت الي ميدان العمل وهي صغيرة فعملت في بعض حرف خياطة الملابس
·       في1910 قررت ترك لبنان والمجيء إلي عاصمة الفن والأدب القاهرة
·       ذهبت الى جورج أبيض وعملت معه في مسرحه فترة قصيرة
·       فاقت بديعة كل بطلات الشامي برقصها وغنائها وتمثيلها لتكون هي البطلة
·       أصبحت بطلة مسرح الريحاني فقدمها في عشرات المسرحيات التي اشتهر بها
·       تزوجت الريحاني وعاشا زمنا قصيرا في وفاق ثم دب الخلاف وانتهي بالطلاق
·       كانت صارمة قوية الشخصية إدارية من الطراز الأول
·       عام 1949 طالبت الضرائب بديعة بضرائب عن مكاسبها فقررت الهروب بأموالها من مصر
·       اشترت مزرعة في شتورة بلبنان وشيدت بها مزرعة دواجن وابتعدت عن الفن تماما
·       صارت صاحبة مطعمين في شتورة التي حفظت لها مكانة وذاكرة لا تنسى
·       كانت تأمل دوماً عودة أيام العز والشهرة في مصر
·       تذكر أم عمر أن غرباء كانوا يقصدون شتورة لرؤية بديعة و كانت تستقبلهم بضحكة حلوة
·       أمضت بديعة 24 سنة في شتورة قبل أن تودع الحياة الصاخبة وتدفن في منطقة البترون
·       ببا عزالدين اسمها الحقيقي فاطمة أما كلمة ببا فقد جاءت تدليلا لها
·       جاءت ببا الي مصر وانضمت الي نجمات الرقص عند بديعة تحية كاريوكا وسامية جمال
·       عندما هربت بديعة مصابني من مصر حلت ببا عزالدين مكانها في كازينو أوبرا
·       ازدهرت فرقة ببا وأصبحت اكبر الفرق الاستعراضية في مصر
لقيت حتفها في حادث مأساوي انقلبت بها السيارة وهي في طريق عودتها للقاهرة
إعداد : ياسر صديق
كان شارع عماد الدين في عشرينات وثلاثينات وأربعينات القرن الماضي يموج بعشرات الفرق المسرحية، علي الكسار ونجيب الريحاني ورمسيس يوسف وهبي وعبدالرحمن رشدي وفاطمة رشدي وعزيز عيد وجورج أبيض وغيرهم، كما كانت هناك عشرات من صالات الرقص التي تديرها أجنبيات مثل، صالة ديناليسكا في شارع علي الكسار حاليا بجوار مسرح الريحاني ـ وكازينو دي باري الذي كانت تديره مدام مارسيل وهو مكان سينما ريتس بشارع عماد الدين المهجورة حاليا، وكانت هناك صالات تديرها مصريات مثل، سعاد محاسن وماري منصور ورتيبة وأنصاف رشدي، والاولي كانت صالتها مكان مسرح محمد فريد الذي أغلق وهو في شارع عماد الدين ورتيبة وأنصاف كانت صالتهما مكان محل بيع المصنوعات المصرية حاليا وموقعه في تقاطع شارعي عماد الدين بالألفي، أما أكبر صالات الفنانات العربيات فقد كانت صالة بديعة مصابني وكانت الصالة بشارع عماد الدين مكان سينما ليدو حاليا.
وبديعة مصابني فنانة لبنانية وصلت القاهرة لأول مرة سنة 1910 ثم كانت حكايتها حكاية أقرب إلي الأساطير أو الروايات الخيالية وهي تستحق أن تروي، ولنبدأ القصة من البداية.
في أواخر القرن الـ19 وعلي وجه التحديد في سنة 1892 أطلت علي الدنيا طفلة ستملأ الدنيا فنا وطربا وتمثيلا ورقصا، ففي تلك السنة وفي مدينة بيروت، جاءت هذه الطفلة، بديعة من عائلة مصابني المسيحية المارونية.
شبت الطفلة عن الطوق وأصبحت فتاة رائعة الجمال رشيقة القوام خفيفة الروح ذكية الفؤاد شغلت شباب الحي بجمالها ورشاقتها، أحست هي بقيمة جمالها فأخذت تتيه دلالا حتي وقعت في حب شاب، ولنصمت عن بقية قصة هذا الحب الذي ذكرته هي في مذكراتها الشخصية، لنعيش معها حياتها الفنية.
كان والدها تاجرا ميسور الحال لكن الدنيا لا تدوم علي حال، اضطرتها الظروف الي ان تنزل الي ميدان العمل وهي صغيرة فعملت في بعض حرف خياطة الملابس.

إلى القاهرة
في سنة 1910 قررت ترك لبنان والمجيء إلي عاصمة الفن والأدب، القاهرة وهي لم تزل في أول الصبا، وصلت مصر ولم تكن تعرف فيها أحدا وتمشت في شوارعها حتي قادتها قدماها وكانت معها أمها الي حديقة الأزبكية، وجلست في الحديقة تفكر ماذا بعد؟ وعلينا أن نتذكر هنا أمرين، الأول أن بديعة لم تكن غريبة عن مصر فقد كانت مصر وبلاد الشام وغيرهما، بلدا واحدا يتبع الخلافة العثمانية فلم تكن هناك معوقات لأن يقيم المصري في لبنان، ويقيم اللبناني في مصر.
الأمر الثاني الذي نريد ذكره، أن حديقة الأزبكية في تلك الأثناء كانت تموج بالصالات التي تقدم الفن المصري وكان أشهرها صالة سانتي التي كانت تغني فيها واحدة من أشهر مطربات مصر في ذلك الزمن: توحيدة، وهي نفس الصالة التي شهدت بداية شهرة سيدة الغناء المصري والعربي، أم كلثوم، وفي حديقة الأزبكية ايضا، كان هناك كشك الموسيقي الذي تعزف فيه موسيقي الجيش أعظم المؤلفات الموسيقية العالمية.
جلست إذن بديعة وأمها، كما ذكرت في مذكراتها تتأمل هذا الجو الرائع المحيط بها وهي فنانة بالسليقة، تعشق كل ما هو جميل في الحياة، وما لبثت بعد تفكير قصير أن فكرت في بلدياتها جورج أبيض الذي كان قد شغفه المسرح حبا، فكون فرقة تمثيلية يقدم فيها بعض الأعمال، فذهبت اليه وعملت معه في مسرحه فترة قصيرة، ثم انضمت بعد ذلك الي فرقة أحمد الشامي وكان فنانا مصريا، كون فرقة تمثيلية يجوب بها مدن ومراكز مصر يقدم مسرحيات فيها من الغناء والرقص ما يرضي ذوق المتفرج الشرقي، وفاقت بديعة مصابني كل بطلات الشامي برقصها وغنائها وتمثيلها لتكون هي البطلة.

إلي بيروت ثم القاهرة
كان نجاح بديعة مع فرقة أحمد الشامي كبيرا ومع ذلك تركت الفرقة وعادت إلي بيروت وفي لبنان واصلت مشوارها الفني بنجاح غنت ورقصت وأصبح لها اسمها في بلدها.
ثم عادت الي مصر مرة أخري، وفي هذه المرة أصبحت بطلة مسرح الريحاني الذي قدمها في عشرات المسرحيات الغنائية التي اشتهر بها مسرحه ومسرح علي الكسار في منتصف القرن العشرين عندما اثري الموسيقيون المصريون هذا المسرح بألحان رائعة ومنهم فنان الشعب سيد درويش والعبقري كامل الخلعي وإبراهيم رمزي وداود حسني ومحمد القصبجي وزكريا أحمد وغيرهم، المهم، أن بديعة في هذه الفترة الزمنية قدمت مع الريحاني عدة أعمال ناجحة منها، الشاطر حسن و الليالي الملاح و أيام العز و مجلس الأنس و ريا وسكينة و البرنسيسة وغيرها، وكانت قد تزوجت نجيب الريحاني وعاشا زمنا قصيرا في وفاق ثم دب الخلاف وانتهي بالطلاق.
وقد قست في حكمها علي الريحاني في حديث إذاعي أجري معها قبل وفاتها عن سبب هذا الفراق أو الطلاق.
ناظرة مدرسة الفن
عندما تم الطلاق بينها وبين نجيب الريحاني سنة 1925، عرض عليها صديق لها أن تعود إلي الرقص والغناء مرة أخري، بعيدا عن تمثيل الأوبريتات، وبالفعل أجر لها صالة في عماد الدين، وبدأت في تكوين فرقتها الغنائية الراقصة التي ولدت عملاقة بالفعل، فقد ضمت اليها أشهر مطربي ذلك الزمن، مثل فاطمة سري التي لحن لها صفر بك علي وكيل معمد الموسيقي العربية.
كما انضم للفرقة الفنانة الناشئة في ذلك الوقت والمطربة الكبيرة بعد ذلك نجاة علي واشتهرت في صالة بديعة .
كما انضم للفرقة الشيخ سيد الصفتي، الذي كان يجيد غناء الأدوار التي صاغها الرواد محمد عثمان وعبده الحامولي وإبراهيم القباني وغيرهم، ومن أهم الفنانات اللاتي نجحت بديعة في ضمهن لفرقتها الوليدة، مطربة القطرين فتحية أحمد ـ ولا ينسي المخضرمون أن فتحية كانت المنافسة الأولي لأم كلثوم عند ظهورهما معا:
وبجوار هؤلاء، استعانت بديعة في صالتها بالراقصين والراقصات الأجانب الذين كانوا يقدمون فصولا من الباليهات العالمية.
ومن لبنان جاءت بالراقصة الشهيرة حينئذ في بلدها ببا عز الدين واختها شوشو عز الدين وايضا عديلة التي لم تعمل بالرقص، كما جاءت بالمطربة رائعة الصوت ماري جبران التي كانت تجيد الموشحات والأدوار المصرية وكانت جميلة الوجه جدا لكنها في نفس الوقت زائدة الوزن جدا ولعل هذا كان سببا في عدم ذيوع شهرتها.

المدرسة
وغطت شهرة صالة بديعة علي كل صالات ذلك العصر، فكان هذا سببا في جذب العديد من الراقصات والمطربية والمطربات الي صالتها، فتركت تحية كاريوكا صالة سعاد محاسن من أجل بديعة وفريد الأطرش واسمهان تركا ماري منصور من أجلها وهجرت زينات صدقي محلات الإسكندرية كراقصة وانضمت لبديعة قبل أن تعتزل الرقص وتصبح من نجمات الكوميديا، وتزاحم في الصالة العديد من المطربين الذين أصبح لهم باع طويل في عالم الفن مثل إبراهيم حمودة الذي كان مطرب الفرقة الأول ثم جاء محمد فوزي ومحمود الشريف الذي كان يغني ويلحن في الصالة وتولي قيادة الفرقة الموسيقية واحد من ألمع الملحنين وعازفي القانون في ذلك الوقت وهو أحمد شريف ومعه زوجته سيدة حسن مطربة الأفراح كما قدم لها المطرب الناشئ انذاك أحمد عبدالقادر الذي اشتهرت له أغنية وحوي يا وحوي في نفس ذلك الزمن، وقدمت أساطير فن المنولوج الفكاهي وكان أشهرهم يومها موسي حلمي .
والدويتو الفكاهي، حسين ونعمات المليجي وإسماعيل ياسين ويزولينا وثريا حلمي وشقيقتها المطربة ليلي حلمي، وكان الملحن الأول للفرقة الفنان عزت الجاهلي وكان والده الممثل عبد العزيز الجاهلي يمثل بعض المسرحيات وفيها تعرف علي بديعة.
وكانت بديعة تقدم بجوار الغناء الفردي والرقصات والمنولوغيات اسكتشات يشترك فيها كل أفراد الفرقة بالغناء والرقص وكانت هي بطلة مثل هذه الاستعراضات وكان هناك العديد من مشاهير المؤلفين يعملون معها، مثل، حسين حلمي المانسترلي وأبو السعود الأبياري ومحمود فهمي إبراهيم، والأخير كان أول من قدم لها منولوغ تقليد الفنانين وكان يكتب لها الاستكتشات الغنائية وعن طريقها تعرف علي فريد الأطرش وكتب له العديد من الأغاني، مثل (وحداني، ونورا نورا، وزينة زينة، ويا مقبل يوم وليلة) وغيرها.
وغير هؤلاء كثير كانوا في صالة بديعة التي كانت بالفعل مدرسة للفن، فقد كانت صارمة قوية الشخصية إدارية من الطراز الأول.

أوبرا والجلاء
ولأنها طموحة فقد شيدت صالة حديثة وعلي أحدث طراز في ذلك الوقت في ميدان الأوبرا وكان يطل علي دار الأوبرا المصرية التي بناها الخديوي اسماعيل واحترقت.
وفي هذا المكان الحديث قامت بديعة بعمل أول مسرح دائري بحيث يري كل المشاهدين ما يجري علي المسرح وهم جالسون في أي مكان بالصالة وهذا البناء باعته بديعة إلي تلميذتها ببا عز الدين قبل أن تهرب من مصر بسبب مشاكلها مع الضرائب، وهذه الصالة المميزة هدمت أخيرا وشيد مكانها مبني تجاري.
وفي الصيف كانت بديعة تنتقل بنشاطها الي كازينو بديعة، مكان شيراتون القاهرة الآن حتي أصبح هذا المكان يشتهر باسمها وكانت العامة تسمي الكوبري الذي يوصل اليها، كوبري بديعة، وكان يتولي إدارته الفنان الشعبي سعد الله المصري.
ومما يذكر أن بديعة كانت علي صلة برجال الاحتلال الانكليزي وكانت تقدم أعمالا فنية ضد النازية والمحور.
حظها في السينما
لم يكن لها حظ في السينما ولم يكن لها نفس التوهج الذي نالته في عالم الاستعراض، قدمت عدة أدوار في السينما مع بنت بلدها ماري كويني أهمها فيلم أم السعد الذي أخرجه أحمد جلال وقامت ببطولة فيلم ملكة المسارح من اخراج الايطالي اريو خولبي وبطولة مختار عثمان وبشارة واكيم لكن الفيلم سقط سقوطا ذريعا فابتعدت عن السينما.
لكنها قامت بتمثيل عدة أفلام تسجيلية دعاية لشركات بنك مصر وخاصة شركة غزل المحلة، وأذكر أن فيلم المحلة قدمت فيه بديعة دور فلاحة تتعارك مع زميلتها التي تقوم بتمزيق جلبابها، ثم تقوم فلاحة أخري باهدائها جلبابا من صنع المحلة أحسن بكثير من ذلك الذي مُزق، فتغني وترقص مع المجموعة.
ومما يذكر في هذا الشأن أن سيدة حسن مطربة الأفراح غنت ايضا لشركة غزل المحلة وفي نفس السنة.
وكان الاقتصادي الكبير طلعت حرب باشا يبذل كل جهده من أجل تمصير الصناعة المصرية ويقوم بدعاية لكل شركاته وبكل الوسائل، حتي نجح في اقامة صروح صناعية عظيمة في مصر.


في سنة 1949، طالبت مصلحة الضرائب بديعة مصابني بالضرائب علي مكاسبها طوال فترة عملها بمصر، حدثت مشاكل بسبب هذه الضرائب فرتبت بديعة حياتها علي الهروب بأموالها من مصر، وبالفعل استطاعت عن طريق اصدقائها أن تهرب الي لبنان وهناك اشترت مزرعة في شتورة وشيدت بها مزرعة دواجن وابتعدت عن الفن تماما حتي انتقلت إلي رحمة الله يوم 23 تموز/ يوليو 1976.
على طريق الشام الدولية، وتحديداً في شتورة، صفحة من حياة بديعة مصابني الراقصة وراعية النجمات الموهوبات. حين ينبسط الطريق مع سهل البقاع، يطل اسم بديعة مصابني مرتفعاً فوق مطعم صغير، وعلى بعد أمتار في بلدة جديتا مطعم آخر باسمها أيضاً، وعنهما يحفظ المسنون في تلك المنطقة قصصاً كثيرة، يعرفون الفنانة الكبيرة من خلالها. يروون حكايات بديعة مصابني أيام العز في القاهرة و “خبريات” عن الأيام الأخيرة للراقصة الأشهر في العالم العربي خلال النصف الأول من القرن الماضي. وديعة جورج مصابني التي يحفظ التاريخ حتى اليوم اسمها “المعلق” على المحلين اللذين كانت قد افتتحتهما على الطريق الدولية لبيع السندويشات.
الراقصة التي صنعت جزءاً من تاريخ الفن المصري لا يتذكرها الكبار في شتورة بما عاشته في صباها، لا يحكون إلا عن السنوات الأخيرة، لا يروون أن “ملكة الليل” صنعت نجمات الرقص الشرقي كتحية كاريوكا، وأقامت علاقات مع مسؤولين ورجال سياسة في مصر في الأربعينيات من القرن الماضي.

صاحبة أكبر ملهى في ميدان الأوبرا في القاهرة، صارت صاحبة مطعمين في شتورة التي حفظت لها مكانة وذاكرة لا تنسى. “هربت” بديعة من مصر إلى سوريا متنكرة بلباس ضابط جيش مصري بعدما أفلست وتراكمت ديونها وفق ما تؤكد معظم الكتابات التي أرّخت حياتها، فيما يقول البعض إنها خافت من مضايقات الملك فاروق لها. وقد دخلت إلى لبنان عن طريق سوريا واستقرت في مدينة شتورة سنة 1950، وأسست محلها التجاري الأول سنة 1952 في شتورة وبنت أيضاً منزلها المعروف اليوم بفيلا “عقل” التي جرفتها “الجرافات” قبل أسابيع. جميلة الحاج المعروفة بأم عمر (59 عاماً) تروي أنها كانت تمر صباح كل يوم مع جدتها وهي طفلة من أمام “محل” بديعة مصابني في شتورة، وكانت تراها جالسة على كرسي أمامه، وتقول: “كنت أرى الست بديعة بعزها وأناقتها، وكان الكبار يقولون لنا هذه هي بديعة الراقصة”.
وتتذكر أم عمر أن العصا كانت دائماً بيد مصابني، ولم تفارقها طوال أيامها الأخيرة. ويحكي إلياس سعادة (70 عاماً) من بلدة جديتا أنه كان يمضي معظم أوقاته جالساً مع السيدة وديعة، أو الست بديعة كما أصبح اسمها الفني لاحقاً «كانت امرأة عظيمة معروفة بكرمها وطيبتها، وكانت تعطي المال للمحتاجين والفقراء، وكانت تتمتع بشخصية قوية، وتطلب دوماً من عمال محلها الاستراحة والجلوس معها والتمتع بنفث دخان السجائر والنرجيلة والاستماع إلى الموسيقى والغناء”.
كانت بديعة مصابني تتألم خلال إقامتها في شتورة، ولكنها ــ كما يقول سعادة ــ كانت “تأمل دوماً عودة أيام العز والشهرة في مصر، وكانت تبدو سعيدة في نظر جيرانها وأصدقائها رغم الحزن الكبير الذي سيطر عليها”.
كانت بديعة مصابني خلال جلوسها أمام محلها التجاري في شتورة محط أنظار كل المارة والزبائن. فاسمها ووجودها في “المحل” جعلاه يتمتع بشهرة كبيرة ويحقق نجاحاً تجارياً.
وتقول حنّة الحلبي (75 عاماً) إن وجود بديعة في شتورة ــ جديتا أعطى المنطقة “تاريخا مميزاً”، وإنها كانت “امرأة بسيطة وكريمة... ولهجتها المصرية كانت قريبة من القلب”.
صار عمر “محل” بديعة الأول أكثر من 50 سنة، وما زال الآلاف يقصدونه ليتذكروا هذه السيدة التي صنعت مجدها بسحر رقصها وجمالها الرائع، وتذكر أم عمر أن “غرباء كانوا يقصدون شتورة لرؤية الست بديعة، وهي كانت تستقبلهم بضحكة حلوة”.
أمضت بديعة مصابني 24 سنة في شتورة قبل أن تودع الحياة الصاخبة وتدفن في منطقة البترون. ويقول إلياس سعادة إنها لم تشعر يوماً بالألم ولم تعان أمراضاً ومشاكل صحية و “قبل أن تموت وقعت على الدرج وأدخلناها إلى مستشفى تل شيحا في زحلة، ومن ثم فارقت الحياة، وكانت تبلغ من العمر حوالى 82 سنة ”.
ببا عزالدين وارثة بديعة لمعت كشهاب وانطفأت سريعاً
 ببا عزالدين، اسمها الحقيقي فاطمة أما كلمة ببا فقد جاءت تدليلا لها، هي فنانة لبنانية الأصل كانت ترقص في ملاهي الشام.
أعجبت بها بديعة مصابني وهي في لبنان وطلبت منها العمل معها في القاهرة.
جاءت ببا الي مصر وانضمت الي نجمات الرقص عند بديعة، تحية كاريوكا وسامية جمال وزوزو محمد واصبحت واحدة من أشهر راقصات مصر، واختيرت بطلة لعدة افلام أيام نهضة الفيلم الاستعراضي الغنائي الراقص في مصر، منتصف أربعينات القرن الماضي.
عندما هربت بديعة مصابني من مصر حلت ببا عزالدين مكانها في كازينو أوبرا وأصبحت هي مالكة هذا المكان الذي كان قبله عشاق الفن الاستعراضي.
وحكي المرحوم محمود فهمي ابراهيم الذي كان من كتاب ومؤلفي مسرح بديعة، انه في يوم كان يجلس في تراس، الكازينو الذي يطل علي ميدان الأوبرا، وفجأة وجد بديعة وببا تجلسان بجواره، وكانت بديعة تحمل بين يديها حقيبة صغيرة حريصة عليها أشد الحرص، وجلس كلب بديعة بين الراقصتين، وفجأة طلبت بديعة من الكلب وكان ذكيا أن يجلس تحت الطاولة التي كانت تجلس عليها ثم استأذنت وخرجت متسللة خشية أن يتبعها كلبها، جلسنا أنا وببا في انتظارها، لكن الانتظار طال، وعرفنا في اليوم التالي انها كانت تطير في الجو في طريقها الي لبنان ونحن في الانتظار دون ان ندري شيئا.
يقول محمود فهمي ابراهيم ـ كانت بديعة وهي معنا تنتظر شارة من صديقها الذي قام بتهريبها من مصر، وكانت كل أموالها في الحقيبة التي كانت حريصة عليها.
بعد الهروب اصبحت ببا هي صاحبة الكازينو استدعت ببا عزالدين اشقاءها وشقيقاتها من لبنان ليكونوا معها في ادارة الكازينو. احترفت شوشو شقيقتها الرقص معها اما الأخت الثانية عديلة فقد اكتفت بأن تكون من طاقم الادارة في الكازينو.
تزوجت شوشو المطرب محمد عبدالمطلب الذي كان يعمل مع ببا وتزوجت عديلة المطرب سيد فوزي وكان هو الآخر من مطربي فرقتها، وكان سيد فوزي من المطربين القدامي وكان الموسيقار سيد درويش يعتمد عليه وزميله حامد مرسي في حفظ جمله الموسيقية لأنه ـ كما قال لي قبل رحيله رحمه الله، انه وحامد كانا يصطحبان سيد درويش في كل مكان يسهر به وعندما يجد جملة موسيقية يقوم بغنائها ويطلب منها حفظها وفي اليوم التالي يستعيدها منها فقد كانت النوتة الموسيقية لم تعرف طريقها اليهم بعد.
المهم، ازدهرت فرقة ببا عزالدين وأصبحت من اكبر الفرق الاستعراضية في مصر، وكانت المنافسة قوية بينها وبين كل من صفية حلمي التي استقلت بصالتها في شارع جانبي خلف سينما ستديو مصر "ريتس المهجورة الآن، وأطلقت عليه كازينو الترف وفتحية محمود كانت صالتها في شارع الألفي باسم شهر زاد وهو لا يزال موجودا حتي الآن وان كان ليس له شهرة أيام زمان.
نجوم الفن في صالتها
ازدهرت فرقة ببا عزالدين كما قلنا وضمت العديد من فناني ذلك الزمن مثل، ثريا حلمي واسماعيل ياسين وليلي حلمي وغيرهم وكانت قد اصبحت نجمة كبيرة في عالمي الاستعراض والسينما.
وفجأة، لقيت حتفها في حادث مأساوي انقلبت بها السيارة وهي في طريق عودتها للقاهرة من الاسكندرية، وقيل يومها الكثير من الاشاعات قيل: ان الحادث دبرته جهة أمنية تابعة للقصر الملكي ولم تكن هي المقصودة، لكن رجل سياسة من الطليعة الوفدية كان ضد الملك فاروق، وكانت سيارته تشبه تماما سيارة الفنانة ببا ومن نفس ماركتها، وتناولت الألسنة هذا الحادث بشيء من التفاصيل لا داعي لذكرها هنا، لكن من الأصوب أن نقول، ان الشاب الذي ربطت الاشاعات بين موت ببا لتشابه السيارات قتل وبنفس الطريقة وهو في طريقه الي بني سويف للمرافعة في أحد القضايا، فقد كان من أشهر رجال المحاماة رغم صغر سنه وكان شاعرا وحاصلا علي درجة الدكتوراه ونائبا في مجلس النواب عن حزب الوفد القديم، طبعا.
أفلامها
جذبت شهرة ببا في عالم الرقص مخرجي السينما في أربعينات القرن الماضي، فاختاروها لتمثيل عدة أفلام، نذكر منها علي سبيل المثال، البيه المزيف بطولتها مع بدر لاما واخراج ابراهيم لاما و ليلة الأنس بطولتها مع الفنان عبدالغني السيد اخراج نيازي مصطفي و جحا والسبع بنات مع سراج منير واخراج فؤاد الجرايرلي، كدب في كدب مع أنور وجدي وميمي شكيب وبشارة واكيم اخراج توجو مزراحي.
أحلاهم اخراج استيفان روستي وبطولتها مع سامية جمال وليلي فوزي وجمال ودلال بطول فريد الأطرش واخراج ستيفان روستي ومعها، ليلي فوزي.
وكانت قد اتفقـــــت علي تمثيل عدة أفلام اخري لكن القدر لم يهملها وانطفأ نجمها بسرعة بعد ان كانت قد لمعت مثل الشهاب.
شرح الصورة:




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق