السبت، 11 أغسطس 2012


الجارية التي ملكت وحكمت وكانت مليء السمع والبصر
الخيزران بنت عطاء...أم الخلفاء وملكة قلب "المهدي"
·       هي زوجة الخليفة العباسي المهديووالدة هارون الرشيد والهادي
·       روت عن زوجها المهدي حديثاً مسنداً عن النبي صلى الله عليه وسلم
·       كانت ذات شخصية قوية ولها رأي وتدبير في أمور الرعية
·       كانت جميلة ممشوقة القوام وقد بهرت حياتها النخبة من سيدات القوم
·       كانت تتدخل في تعيين كبار الضباط والولاة والحكام
·       تولى موسى الهادي الخلافة عام 169هـ..وكان عمره 21 سنة
·       بمؤامرة مات الهادي مسموما وتولى الرشيد من بعده
·       إختلفت الروايات حول طريقة ومكان وفاتها
إعداد: ياسر صديق
الخيزران بنت عطاء وهي زوجة الخليفة العباسي المهدي، ووالدة هارون الرشيد والهادي, والخيزران هي جارية عربية أستقدمت من اليمن. أشتراها المهدي وأعتقها وتزوجها، وأصطحبها معه إلى بلاد العجم، وكان طبيبها الحكيم عبد الله الطيفوري، ولم تلد لإمرأة خليفتين غيرها، سوى ولادة أم الوليد وسليمان إبني عبد الملك بن مروان.
وقد روت الخيزران عن زوجها المهدي حديثاً مسنداً عن النبي محمد، حيث قالت: حدثني أمير المؤمنين المهدي عن أبيه عن جده عن عبد الله بن عباس قال: قال رسول الله: "من أتقى الله وقاه من كل شيء".

وفي شهر رمضان سنة 161هـ، ذهبت الخيزران إلى مكة وأشترت الدار المعروفة باسمها وأضافتها إلى المسجد الحرام، وأقامت في مكة إلى موسم الحج وحجت، وقد أستوحش الخليفة المهدي لفراقها فكتب إليها مع الحجاج يتشوق:
نحن في غاية السرور ولكن          ليس إلا بكم يتم السرور
عيب ما نحن فيه يا أهل ودي إنكم غيب ونحن حضور
فأجدوا في السير بل إن قدرتم أن تطيروا مع الرياح فطيروا
فأجابته الخيزران بأبيات وقالت:
قد أتانا الذي وصفتم من               الشوق ولكن ما قدرنا نطير
ليت إن الرياح ينقلن شوقي           إليكم وما يكن الضمير
كانت الخيزران ذات شخصية قوية ولها رأي وتدبير في أمور الرعية، وكانت ترعى العلماء وتشجعهم وتصلهم بالعطايا والهبات.
وتوفيت ليلة الجمعة لثلاث بقين من جمادي الآخرة عام 173هـ/ 789م، وخرج الخليفة هارون الرشيد خلف جنازتها وعليه جبة وطيلسان، قد شد به في وسطه، وهو آخذ بقائمة السرير، حافياً يمشي في الطين، وصلى عليها ونزل في قبرها، ودفنت في الأعظمية ببغداد في المقبرة التي سميت بأسمها مقبرة الخيزران.
وتوفي يوم وفاتها إمام اللغة الخليل بن أحمد الفراهيدي بالبصرة.
قالوا عنها
اختلف المؤرخون حول اصلها، قيل انها جارية بربرية من اليمن، فهي سمراء شبه زنجية، او ربما بربرية من المغرب. قيل ان بدوي قد اختطفها وباعها في مكة للخليفة المنصور؛ فوقع ولده المهدي في غرامها؛ وتزوجها وأصبحت أما لولديه موسى الهادي وهارون الرشيد. وعلى غير عادة العرب نجحت "الخيزران" في إقناع زوجها الخليفة بتعيين ولديها كوريثين شرعيين له؛ واستبعاد أبناء النساء الأخريات. ومن بين المبعدين كان أبناؤه من ابنة عمه الخليفة السفاح مؤسس الأسرة الحاكمة.
كانت "الخيزران"جميلة ممشوقة القوام وقد بهرت حياتها النخبة من سيدات القوم اللواتي كن يقلدن حليها وتسريحات شعرها. وكان لها سطوة على كبار  الشخصيات  في قصر زوجها الخليفة. ولكن كيد النساء لا أول له ولا آخر؛ فعندما تولى ابنها البكر موسى الهادي الخلافة ؛ شعر الهادي بأنه مهدد بطموحات والدته التي كانت تلتقي كبار القادة في قصرها على غير عادة العرب  فحاول قتلها!.

محاولة قتلها
تقول كتب السيرة والتاريخ أن موسى الهادي حاول قتل والدته حين أرسل إليها أطعمة في طبق؛ لكن "الخيزران" عملت على أن يتذوق كلب من هذا الطبق أولا وقد سقط الكلب ميتا على الفور.
كانت (الخيزران) تتدخل في تعيين كبار الضباط والولاة والحكام؛ مما ساء ولدها الهادي وأخافه؛ فاستدعاها إلى قصره وقال لها: اسمعي كلامي جيدا؛ أن كل من يذهب إليك من قادتي أو ممن يحيط بي أو من خدمي ليتوسط في أمر ما؛ سوف أقطع رأسه وأصادر أمواله…. ماذا تقصد هذه الجموع التي تقف كل يوم على بابك…؟ أفلا يوجد عندك مغزل يشغلك ومستقر يحجبك عن هذه الوساوس… انتبهي؛ والويل لك إذا فتحت فمك لمصلحة أي كان.
يقول الطبري : فتركت ابنها وهي لا تكاد تتحسس مكان قدميها؛ فقد أعلنت الحرب بينهما. في الليلة ذاتها أمرت "الخيزران" جواريها الحسان التسلل إلى مخدع ابنها الخليفة حيث ينام وخنقه تحت الوسائد؛ فقد وضعن هؤلاء الوسائد على رأس الحاكم وكأنهن يداعبنه وجلسن عليها حتى لفظ أنفاسه.
قال فيها أبو المعافي :
يا خيزرانُ هناك ثم هناك           إن العباد يسوسهم ابناكِ
وعندما سمعت الخيزران بخبر وفاة الهادي قالت في بادئ الأمر: ما افعل، فطلبت منها خادمتها أن تذهب إليه، وتنسى كل الحقد والغضب، فقامت وهمت للوضوء وصلت عليه. وبعد هذه الحادثة ذهبت "الخيزران" للحج، وعندما انتهت منه رأت أبا دلامة يصيح عندها، وتبين لها بعد ذلك أنه يريد جارية من جواريها؛ لتقوم بخدمته نظرا لأنه رجل كبير في السن، فلبت طلبه.
تولى ابنها الثاني "هارون الرشيد" الخلافة ودخلت "الخيزران" في صراع جديد مع   زوجته زبيدة. وكانت "الخيزران" سببا فيما وقع بين حفيديها الأمين والمأمون بعد ذلك. توفيت (الخيزران) ليله الجمعة سنة 173هـ. وقد صلى عليها( الرشيد)،  وعندما خرج ُوضع له كرسي ليجلس عليه، فدعا (لفضل بن الربيع) ودفع إليه الخاتم قائلا: كنت أهم أن أوليك فتمنعي أمي فأطيعها.

حكايات أخرى عنها
كانت الخيزران جارية عربية تباع في أحد أسواق النخاسة في بغداد أيام الخليفة أبي جعفر المنصور..فمر بالسوق يوماً ولي عهد الخلافة محمد المهدي بن ابي جعفر..فرآها واعجب بجمالها وأدبها..فسأل البائع بكم هذه؟ فرد عليه:بألف دينار يامولاي
فقال المهدي:إن مافي فتنتها ودلالها مايفوق ذلك.
سأشتريها بوزنها ذهباً.
فأخذها معه الى قصره وانضمت الى جواريه.
تقربت الخيزران منذ دخولها القصر الى أسرة الوزير يحيى بن خالد البرمكي..الذي استطاع بدهائه أن يترقى من مرتبة كاتب في الديوان الى وزير الخليفة المنصور..والمستشار المقرب لولي العهد المهدي..فكانت تتعلم من فاطمة البرمكية كيفية التعامل مع الأمراء والتقرب لهم وزيادة حظوتها لديهم.
تفوقت الخيزران على كل الجواري في القصر..ولم تنافسها الى زوجة المهدي وابنة عمه..ريطة بنت ابي العباس السفاح..فكانت أقل منها مرتبة..ولكنها استطاعت بفضل أنوثتها ودهائها أن تجعل قلب المهدي معلقاً بها..
أنجبت الخيزران طفلاً جميلاً أسمته موسى ولقبه الهادي..وبفضله تحررت من الرق..وصارت زوجة رسمية..وبعد سنة واحدة أنجبت ابنها الثاني هارون الملقب ب(الرشيد)
تولى الخليفة المهدي الحكم بعد أبيه المنصور..ومع أنه كان كريماً سمحاً مع الرعية إلا أنه لم يكن مثل أبيه أبي جعفر في حزمه وتدبيره..فقد كان يحكم بهوى وزيره يحيى بن خالد البرمكي وزوجته الخيزران..وكان البرمكي حريصاً على سرقة بيت مال المسلمين..مستفيداً من علاقته الوطيده مع الخيزران..وكانت الخيزران تشارك في اتخاذ القرار..وتأمر وتنهى..وبسبب البرامكة شغل الخليفة بالشعراء والمغنيات..وتمتع البرامكة ببيت مال المسلمين..وكان يعينون في المناصب من يشاءون من أتباعهم.
عهد المهدي بتوجيه من الخيزران..إلى ابنيها موسى الهادي وهارون الرشيد من بعد..كان الهادي كارهاً للبرامكة وفسوقهم وله حاشية من رجال الحرب..أما الرشيد فكان ملازماً للبرامكة لصداقته القديمة مع جعفر بن يحيى واخيه الفضل.
خرج ولي العهد موسى الهادي لقيادة الفتوح الاسلامية في جرجان..فاستغل البرامكة ذلك وطلبا من الخيزران ان تقنع الخليفة بخلعه وجعل ولاية العهد خالصة لـ" هارون الرشيد"..وكان ذلك بسبب قوة شخصية الهادي وعدم ميله لأخذ رأي النساء ولا البطانة..وبسبب تدينه وتشدده..وولعه بالحروب..فاقتنع المهدي بذلك..وأرسل المهدي الى ابنه الهادي يطلب منه التنازل عن ولاية العهد..فرفض الهادي وطرد الرسول وقال له"قل لأبي لو كنت اعلم ان ذلك من امرك لأمتثلت ولكني لا امتثل لاوامر النساء والجهلاء من الوزراء" فغضب المهدي وطلب المسير الى جرجان لاجبار ابنه على التنازل.
جلس المهدي للراحة في الطريق بين بغداد وجرجان..ولم يعلم بمؤامرة دبرت للتخلص من الخيزران على يد زوجته ريطة التي أمرت جاريتها أن تضع السم في كمثرى محلاة(والتي تحبها الخيزران) وتدخلها لها في وقت الغداء..فحصل ذلك..ولكن مالم يكن في الحسبان ان المهدي اشتهى الكمثرى واكلها بدلاً من زوجته فمات من ليلته.
تولى بعدها موسى الهادي الخلافة عام 169هـ..وكان عمره حينذاك 21 سنة..فكان أصغر الخلفاء عمراً..ولكنهم كان أكثرهم حكمة وشجاعة..فأمر بزيادة الأرزاق..واغلاق الحانات..ونفي الشعراء والمغنين..واقامة الصلاة في وقتها..كما طرد البرامكة من ديوان الخلافة وسجن زعيمهم يحيى بن خالد..
كانت الخيزران ايام زوجها صاحبة الأمر والنهي..وكانت تجتمع مع رجال الدولة وتناقشهم في أمور الحكم والخلافة..ومع تحذير وتنبيه الهادي لها لم تستمع له فغضب عليها يوماً وقال:
ماهذه المواكب التي تغدو وتروح على بابك كل يوم؟
أما لك من مصحف يذكرك،أو مغزل يشغلك،أو بيت يصونك؟والله لئن وقف ببابك أحدٌ من قوادي وخاصتي،لأضربن عنقه،ولأقبضن ماله.فمن شاء فليلزم ومن شاء فليقتل.
فحقدت الخيزران على أحب الناس الى قلبها وسبب حريتها ابنها الخليفة الهادي.
حاول البرامكة الانتقام من الهادي بتحريض اخيه هارون عليه..فكانوا يؤلفون الاشاعات ويقومون باجتماعات سرية لمحاولة اقناعه بالانقلاب على اخيه.ولكنهم لم يفلحوا في ذلك لشدة الحب والاحترام بين الرشيد واخيه الخليفة.
ولكن حاشية الهادي كانوا بدورهم يحرضونه على الرشيد لخوفهم من نفوذ البرامكة..فأراد الهادي أن يضع حداً للقيل والقال بين بطانته وبطانة ولي عهده..فدعى أخاه الرشيد للاجتماع في قصره.فقال له:
ياهارون أتطمع في الخلافة حقاً؟
فقال: أطال الله عمر أمير المؤمنين ولكن النفس تطلب السلطان ولئن كان ذلك لأصلن من قطعت ولأنصفن من ظلمت ولأزوجن بنيك من بناتي.
ففرح الهادي وقال: ذلك الظن بك.
فقام هارون وقبل يد أخيه الهادي..فأجلسه الهادي بجانبه في سرير الخلافة..ورضي عنه.
مؤامرات
أرسل الهادي أخاه هارون الى الموصل في مهمة..كما أرسل ابن عمه محمد بن سليمان في جيش لقمع ثورة في الحجاز..ووسط هذه الظروف تمت مؤامرة قذرة بين الخيزران والبرامكة للتخلص من الخليفة الهادي.
فكروا كثيراً وكانت محاولتهم الأولى بارسال أحد شبابهم ممن يمتاز بخفة الحركة..لاغتيال الهادي عندما يستقبل المواطنين بعد صلاة الجمعة..فتقدم القاتل المأجور من الخليفة يطلب منه حاجة..فأكرمه وزاده..فتقدم ليقبل يد الخليفة..فقبض عليها..وأخرج خنجراً من جيبه..ولكن الهادي انتبه لذلك فتفادى طعنته..وطرحه أرضاً..ثم انقض الجنود على المتآمر وقطعوه بسيوفهم.
نجى الهادي ولكنه لم يعرف من وراء المؤامرة..وأراد البرامكة التحرك..فقدموا عروضهم لأحد جواري الهادي اسمها (غادر) وكان يحبها كثيراً وكان تزوجها بشرط أن لا تتزوج من بعده.
فقبلت بالمؤامرة بعد أغروها بالمال وببناء قصر لها في بابل مسقط رأسها وموطن أهلها.
فوضعت السم لزوجها في ماء الوضوء..فلما خرج الى صلاة الفجر سقط قبل اقامة الصلاة..فحمله رجاله الى القصر..واستدعوا الطبيب جبريل بن بخشتوع..فأخبره ان حالته خطيره وانه تلقى سماً قوياً..فعلم الهادي بقرب يومه..فكتب وصيته الى خيه هارون..ثم دعى أمه الخيزران ووزيره الفضل بن الربيع..فأوصاه أن يزين لهارون القضاء على البرامكة وفسادهم..
فقال الفضل: أبشر يامير المؤمنين لأفعلن به مايفعله ملائكة العذاب بأهل جهنم.
ثم دخلت عليه الخيزران وكانت غاضبة منه ولا تكلمه..فقال لها:سامحيني ياأماه فقد كنت لك ناصحاً ولم أكن عاقاً وقد كرهت أن يتكلم الناس بأنك تخالطين رجالي فتذهب هيبتي..وثم أسند رأسه الى صدرها..ثم أسلم الروح.
ومع ان الخيزران اشتركت في المؤامرة رغبة في الحكم..الا انها لم تتحمل منظر ابنها وأحب الناس لقلبها يموت بين ذراعيها.
فصرخت وبكت وشقت ثوبها..وقالت:لا عشت بعدك يأمير المؤمنين.
لم تطل أيام الخيزران بعد ابنها الهادي فماتت بعده بأشهر..وأما الرشيد فقد تولى الخلافة بعد أخيه وقلد البرامكة الوزارة..ولكنهم تمادوا في السرقة..ومحاولتهم ازالة ولاية العهد من الامين بن هارون الرشيد..كما تحرش جعفر بن يحيى بالعباسة أخت الرشيد..فكان ذلك آذاناً لنكبتهم الشهيرة التي دبرها الوزير الفضل بن الربيع.
تزوجت "الخيزران "غادر وعاشت في قصرها في بابل ولكن كانت نهايتها غريبة جداا..فقد نهضت خائفة من منامها وسألها زوجها:مابك؟؟؟؟؟
فقالت:رأيت الهادي في المنام ينشد....
أخلفتي وعدي بعدما جاورت سكان المقابري
وحلفت لي بأيمانك الكذب الفواجري
وتزوجت غادرةٌ بعدي صدق الذي سماكي غادر
لا يهتك الإلف الجديد ولا تدر عليك الدوائر
ولحقتي بي قبل الصباح وصرتي حيث غدوت صائرُ
ثم ارتعشت وماتت من فورها!!!!!!!

شرح الصور:
·       هكذا جسد الرسامون شعراء العصر العباسي
·       بيت الحكمة إبان العصر العباسي
·       قصور العهد العباسي
·       الزخارف الإسلامية أزدهرت في العصر العباسي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق