الخميس، 15 ديسمبر 2011

نظرة على رحلتي إلى مصر

رحلتي إلى مصر...الميدان وعائلتي....وقلب من ذهب
عدت من مصر...وكأنني قد عدت من كل شيء إلى اللاشيء...بلا شك أن تلك الرحلة قد غيرت بداخلي الكثير ، وبدلت في أعماقي أشياء وأشياء ، أماتت أحلام كثيرة وأحيت أمال أكثر، عندما شرعت في السفر كنت أستشعر أني في أمس الحاجة إلى تلك الرحلة ...والآن وقد عدت أستطيع القول أنني تلك الرحلة كانت هي الفيصل بين حياتين...حياة عشتها جرفتني فيها أميال من المشاعر وقطعت فيها ألاف القرارات ندمت على بعضها وراض عن أكثرها وما زلت حائر في قليل منها!!! وحياة أخرة مهدت لها عبر رحلتي هذه...رأيت أمي ...مشيت داخل ميدان التحرير وتحسست أرضه مقبلا ومطأطئا رأسي إجلالا لشهدائه الأبرار.
لكن يبقي الآثر الأكبر عبر رحلتي تلك يكمن في عائلتي...أشقائي وشقيقاتي ...وأمي...لقد رأيتهم في رحلتي تلك بعين غير التي تعودت أن أراهم بها..عين غلب عليها الدفء والحب...لقد تغيروا بعض الشيء...أو قد أكون أنا الذي تغير وأصبح يرى العالم كله بعين متغيرة.
رأيت شقيقتي الكبري ...هي أكبرنا جميعا...هي أختي من أبي ....وأكثرنا شبها به...ربما لأنها تشترك مع أبي في سمرة البشرة ليس إلا...تتميز "سلوى" وهذا أسمها بخفة ظل لا تخطئها عين وضحكة تجبرك إجبارا على أن ترى القادم أجمل...لم تعش سلوى معنا منذ الصغر...تربت مع والدتها في منطقة المعادي وكنا نراها إبان فترة طفولتنا على فترات متباعدة...كبرت وتزوجت من رجل طيب وأنجبت منه بنتان وولد أصبحوا الآن في ريعان الشباب ، سلوى...تبقى الأقرب مهما بعدت والألذ مهما غابت...والأكثر حنانا مهما إنشغلت عنا بحياتها وأبنائها...سلوى شقيقتي الكبرى...ما أجمل أن يكون للمرء شقيقة بهذه الروعة.
نجلاء...شقيقتي ...تكبرني بعامين...كنا ونحن صغارا يظنوننا "توأم" من شدة التقارب بيننا في الشبه ، نجلاء لها طبيعة خاصة تنفرد بها عنا جميعا كأخوة...فهي أكثرنا حماسا وتصميما على تحقيق ما تريد مهما كانت المعوقات وأكثرنا قدرة على أنتزاع الضحكات ورسمها على شفاهنا رغم انها عانت كثيرا ودفعت ثمن قرارات خاطئة إتخذتها في حياتها وأتخذناها معها بصمتنا وشح النصيحة الذي أصابنا جميعا فلم نحذرها بما يكفي...تزوجت نجلاء ولم توفق في إختيارها وخرجت من تلك الزيجة بـ"ملك" إبنتها هي كل حياتها وتعيش من أجلها...وتعمل من أجل إسعادها ...شقيقتي مدرسة جغرافيا....علاقتها بتلميذاتها في غاية الخصوصية والكوميديا معا...وعلاقتها بزملائها ورؤسائها أكثر خصوصيا وسيكودراما...متدفقة في مشاعرها...ضاحكة على الدوام...في رحلتي تلك...كنت أبيت الليل في شقتها...فرأيت عن قرب مدى الإجهاد الذي تلاقيه في يومها ورغم هذا...لا تفارق الضحكة شفتيها...منطلقة على الدوام....نجلاء...هي أكثرنا أملا رغم الإحباطات التي مرت بها...وأشدنا إصرارا وحماسا رغم كل ما لاقته...نجلاء شقيقتي الكبرى...سحابة من الضحك المتواصل تظلل على بيتنا.
علياء...شقيقتي الصغري...تصغرني بثلاثة أعوام..."توأمي معنويا" ...هي أكثر أخوتي تقاربا مني في الشخصية...وأكثرهم تفهما لطبيعة تكويني...تعرف ما يسعدني وما يحبطني وما يدور في رأسي حتى قبل أن أتحدث...الحديث بينا لا يحتاج إلى شرح وإسهاب...تكفي رؤوس المواضيع ليعرف كل منا ماذا يريد الآخر...علياء ....تشاركني في العند...والعصبية أيضا...شخصيتها صلبة إلى حد بعيد...لذلك ما زالت تتردد في مسألة الزواج خشية أن تتورط في أحدهم فيكون أضعف منها شخصية وأقل منها قدرة على إتخاذ القرار فتشعر أنها زوجه وليس زوجته...منذ اليوم الأول في رحلتي أخذتها ونزلنا إلى ميدان التحرير...كان من المستحيل أن أكون هناك بدونها...سرنا إلى الميدان وكانت دقات قلبي تعلو كلما إقتربنا منه...كان الباعة الجائلون يملؤنه وفي منتصفه كان يوجد بضع مئات من الشباب والشابات يتحدثون في الميكروفون محمسين الناس وشارحين لهم طبيعة الأوضاع الآن .
كانت شقيقتي تحثني على الوقوف للإستماع إلى ما يقوله الشباب وانا عيناي معلقتان على بائع "حلبسة" يتوسط الميدان ...قالت لي تعالى لنستمع...قلت لها تعالي لنشرب "حلبسة" قالت:نستمع...قلت:نشرب "حلبسة" قالت:نستمع...قلت:نشرب حلبسة...وبعد عشر دقائق كان المشهد كالأتي....أنا وعلياء نقف بجوار عربة "الحلبسة" منشغلين بشربها ساخنة وظهرنا للميدان وللشباب أيضا.
علياء هي أكثر الشخصيات التي تذكرني بأجمل أيام حياتي فلقد شاركتني في كل القرارات التي إتخذتها في تلك الفترة بل وكانت تساعدني في التخطيط حتى في أموري العاطفية وقتئذ!!!...في اليوم الثاني من رحلتي...مشينا نتحدث...وظللنا نتحدث ونتحدث وننتهي من موضوع لندخل في الأخر والهواء منعش والقاهرة جمالها يأخذك في الليل ...لنفاجأ أننا قد مشينا من الجيزة وحتى منطقة عماد الدين دون أن نشعر...علياء في عيني...هي مصر التي أحببتها...علياء هي الوحيدة التي أشعر إتجاهها أنها شقيقتي الصغرى التي تغمرني بحنان تجعلها الكبرى دائما...صادف أول أمس أن كان عيد ميلادها...كل عام وهي ...شقيقتي الأجمل.
أمي...أخبرتني شقيقي قبل أن أصل أن أمي قد كبرت كثيرا وظهرت عليها ملامح العجز وأن السنين قد فعلت فيها فعلتها...ولكني عندما رأيتها للوهلة الأولى وجدتها لم تتغير أبدا...هي نفسها أمي...بطيبتها...وحلاوتها...وجمالها الحاني...أجمل ما في أمي هي قدرتها الفذة على الطهي ولا عجب إن قلت أن أكلاتها المميزة كانت من ضمن الأسباب الأساسية وراء قرار سفري هذا....أمي جعلتني أشعر أنني شهريار يأمر فيطاع...غدا أريد أن أكل كذا ...حاضر...كانت تلبي فرحة بعودتي...هي ما زالت هي...بقلبها النقي وتلقائيتها وسذاجتها المحببة لي على الدوام....عند سفري...بكت أمي...كان بكائها مؤثرا ودموعها الدافئة ما زالت تبلل يدي حتى هذه اللحظة...أمي...عندما رأيتها حمدت الله على نعمة أن يكون للمرء أم كهذه...لأ أظنني أستطيع أن أنسى دموع أمي يوما.
هناك في مصر...كان هناك قلب يرفرف بجناحيه حولي...قلب ظهر من العدم...لكنه أستقر داخلي...ولا أظنه سيغادرني يوما...الطهر أكثر ما يميز هذا القلب...والضحكة الصافية كانت جواز مروره إلى روحي ...وعقلي أيضا...تحدثنا...وضحكنا...وتذكرنا أيام ما كنا صغارا...قلب نابض...حي...تواعدنا...وتعاهدنا...وأنا باقي على العهد....حتى أعود إليه مرة أخرى...في القريب.
في رحلتي إلى مصر...غسلت قلبي...وروحي..من جديد...وعاهدت نفسي وربي ألا أسجن داخل قوقعة هلامية من المشاعر السلبية مرة أخرى...إلى مصر ...وطني...كل التحية...وكل الحب...وإلى من كانوا حولي ....أقول...أنتم فقط من تصنعون حياتي....كل الحب لكم.