الأربعاء، 29 مايو 2013

قبل الخامسة...قصتي القصيرة الفائزة بالمركز الثاني في ورشة الأديب شريف صالح للقصة القصيرة

قبل الخامسة
·       ياسر صديق
أكشن... قالها بصوت واهن على غير عادته فهي دائما كانت كلمته السحرية التي يستلهم بها نشاطا مفقودا جراء سهر طويل ، جلس يرقب حركة الكاميرا وإيقاع بطلي المشهد بذهن مشوش وعينين زائغتين ، ينتهي المشهد وقد شرد بعقله ، لم ينطق كلمة ستوب ولم يعلق سلبا أو إيجابا على المشهد أو يصرخ رافضا أو يهلل استحسانا كما تعودوا منه بل سكن وانزوى بنفسه واضعا يده على جبهته ، أقبل مساعده يسأله بصوت خفيض متردد : أستاذ...أستاذ ...المشهد خلص يا أستاذ تحب نعيد ولا كويس؟ رفع إليه عينيه المرهقتين وأشاح بيمناه قائلا في ضيق: فركش يا جماعة هنكمل بكرة وظل قابعا مكانه دون حراك.
اللوكيشن يبدو رطبا على غير العادة ورائحة النيكوتين تجتاح المكان ، ورغم أنه مدخن شره إلا أنه يشعر أن الرائحة تطبق على صدره ، غمامة من الأفكار المرتبكة تغلف عقله الذي كان متقدا صافيا منتبها قبل يومين فقط ، كان ذلك قبل أن تأتي إليه زوجته قبل يوم وليلة وتخبره أن رب عملها قد تحرش بها و...بكت ثم تركته يستوعب الصدمة ونامت...والعجيب أنها قالتها وغطت في نوم عميق ، لم يكن يتصور يوما أنه سيقف وحيدا حائرا عاريا مهترئا ليمثل مشهد الزوج المهدورة كرامته على يد مخنث استغل سلطته المزعومة ليتحرش بزوجته!!! لم ينم منذ تلك الليلة...يجوب غرفته كالليث الذي باغته ضبع أجرب بحركة لا أخلاقية وجرى مبتعدا والليث في حيرة أيلاحقه غاضبا فيعلم الكل أن الضبع قد نال من هيبة الليث أم يتغافل ويتصنع التجاهل حفاظا على هيبته؟ أي هيبة والوغد قد نال من زوجته؟...لالالا لست ممن يتجاهل الأمر ..طبيعتي ونشأتي الصعيدية تأبى ذلك ، نعم عشت في المدينة منذ الثانوية والجامعة ونلت درجة الماجستير في فن الإخراج من أرقى جامعات إيطاليا لكنني في النهاية ذلك الصعيدي الذي يثور إذا ما نظر أحدهم لطرف جلباب زوجته ، واتقدت في رأسه فكرة الإنتقام !!! نعم سأنتقم لها ولنفسي ، عندما أغفل أراه يطالعني ساخرا ويضحك في شماتة ويخرج لي لسانه ويقفز حولي اغتباطا بسلبه حقي ان أكون زوجا خالصة له زوجته...أعرف ذلك المخنث ، رأيته يوم ذهبت معها لإجراء مقابلة العمل الأولى منذ ما يقرب من عامين أظن كان ذلك أخر مرة نخرج فيها سويا لأمر يخصها ...كان طويل القامة منتشيا بنفسه متأنقها دون داع ، لديه إبتسامة لزجة كأنها بقعة زيت تسيل على شفتيه يوزعها على الحضور ، وقصت لي زوجتي عنه القليل وكيف أنه ثري فاشل بالكاد حصل على البكالوريوس وأرسله أبوه إلى لندن لنيل الماجستير والدكتوراه وتداولت بعدها إشاعات تؤكد أنه جاب شوارع لندن بحثا عن الغانيات وببضع ألاف من الدولارات اشترى درجة دكتوراه إمتياز مع مرتبة الشرف في إدارة الأعمال وعاد ليدير إحدى شركات والده .
قهوتك الخصوصي يا أستاذ...انتزعه عامل البوفيه بجملته فانتبه وطالعه طويلا ثم سأله: أدهم الطوخي فين يا فتحي؟
-         مجاش انهاردة  يا أستاذ تحب أدورلك عليه؟
-         لا خلاص خلاص انا هتصل بيه
-         طب تؤمرني بحاجة تانية سعادتك؟
تجاهله وانشغل بالبحث في قائمة هاتفه عن رقم أدهم الطوخي منفذ المعارك الشهير...عقب ساعة ونصف قضاها يفكر في كيفية الإنتقام من شيطانه المخنث الثري ، جاء أدهم وعينيه الواسعتين تحملان تساؤلا : يومك زي الفل
-         تشرب ايه يا أدهم؟
-         قهوة من بتاعتك
-         فتحي اتنين قهوة
-         من بعيد...صوت فتحي يجلجل في اللوكيشن :حاضر يا أستاذ
-         خير يا استاذ؟
-         أدهم أنا ....ماذا أفعل؟ بالتأكيد لن أخبره عن نيتي الدخول في مشاجرة أو أن أحدهم تحرش بزوجتي وأنوي الأنتقام فهكذا أفضح نفسي لالالا من الأفضل أن يبدو الأمر كمشهد حركي في فيلم وأريد رأيه في كيفية تنفيذه نعم نعم فالقاعدة المخابراتية تقول ( السر لا يصبح سرا إذا تجاوز فردا واحدا).
-         أدهم عايزك تصفيلي دماغك من الصراصير اللي فيها وتركز معايا
-         أدهم ضاحكا وقد تعرقت صلعته : دماغي كلها تحت امرك يا كبيرنا
-         بفكر في مشهد بيدور حوالين زوج عرف ان زوجته اتعرضت للتحرش من مديرها في الشغل فقرر ينتقم ، السؤال ايه هي الطريقة المثالية للانتقام؟
-         عدم المؤاخذة سعادتك هو مراته اتعرضت للتحرش ازاي يعني؟ الراجل غازلها عادي ولا قالها كلام خارج يعني علق على جسمها ولا راجل ناقص مد ايده عليها؟
-         باغته السؤال ولم يجب !! شرد قليلا يفكر ، إنها بالفعل لم ترو لي كيف تحرش بها ذلك الداعر؟ كل ما قالته هي جملة واحدة أنه تحرش بها ثم تركتني وغطت في نوم عميق وفي اليوم الثاني استيقظت ملامحها عادية لا تحمل غيظا أو غضبا أو حزنا بل والأعجب أنها طبعت قبلة على جبيني وطلبت مني البقاء معها في البيت فاعتذرت لها لانشغالي بالفيلم الجديد وخرجت !!! لعلها طبيعتها الارستقراطية العنيدة التي ترفض الاستسلام لفكرة كونها وقعت في فخ رخيص من احدهم فتعاملت مع الأمر كأن لم يكن؟ عندما طلبت مني الخروج للعمل لم يكن السبب نقص المال ...أبدا...بل كسر الملل والتغلب على الصمت وفراغ البيت خاصة وانا أقضي جل وقتي في اللوكيشن أو غرفة المونتاج.
-         بص يا ادهم سيبك من اتحرش بيها ازاي هو الراجل حاسس انه مطعون في كرامته وعايز ياخد حقه فاهمني؟ الراجل جذوروا صعيدية يا أدهم ومش من النوع اللي يفوت موضوع زي ده...نطق الجزء الأخير من الجملة بعصبية جاءت على الرغم منه.
-         والله يا باشا هو لو ليه في الخناقات وكده ممكن يلبدلوا في أي مكان ويرنوا العلقة اللي هي ...علقة موت تخليه ميفكرش حتى يرفع عينه في اي ست تاني أو لاموأخذة يخبطوا بين رجلوا يخليه يفقد رجولته ، أما لو ملوش في المشاكل يأجر اتنين يقوموا بالواجب .
أسمعه وعيناي ترمقان فتحي الذي يحوم حولنا يسترق السمع منذ أن أحضر القهوة ، فضول هذا الشاب لا ينتهي ، هناك نوع يتلصص لا لشيء إلا بدافع الفضول أما فتحي فيتلصص ليهتك سترك ويتسلل إلى حياتك رغما عنك كالهاموشة التي تطردها خارج حجرتك فتجدها معلقة في سقفها.
-         عموما يا باشا دي فكرتي وانت الليدر وطبعا لو حبيت تنفذ المشهد ده انا موجود برجالتي
-         هيكون بينا تليفون يا أدهم يلا سلام انت
بالكاد انتصبت واقفا كعمود نور صديء قضى سنوات منكفئا على طريق خرب مظلم ، إلتقطت الجاكيت وهممت بإرتدائه وفتحي ما زال يحوم حولي ينظف الكراسي ويكنس أرضية اللوكيشن ويجمع الأكواب الفارغة وينظر إلى بطرف عينيه ثم إقترب مني وعلى شفتيه ابتسامة ماكرة قائلا في همس : باشا هي القصة دي حقيقية؟
-         قصة ايه؟
-         قصة الراجل اللي في واحد اتحرش بمراته
-         انت مش هتبطل عادتك الوسخة دي
-         عادة ايه يا باشا سعادتك؟
-         انك تلمع أوكر وترمي ودن مع كل كلمة بتتقال؟
-         يا باشا دنا بتاعك انا بس سمعت بالصدفة وعجبتني الفكرة وانت عارف ان جوايا فنان
-         أيوة أيوة عموما دي فكرة فيلم
-         طب يا باشا واسمحلي يعني هو انت لما تعوز تاخد رأي حد في تنفيذ جريمة انتقام تسأل الطوخي بردوا؟ الطوخي ده بتاع خناقة أو عركة مش تنفيذ جريمة شرف وبعدين يا باشا النوع ده من الجرايم بيحتاج تسأل فيها مجرم أراري مش واحد بتاع حلق حوش زي أدهم...تسألني ليه أقولك...لأن المجرم هيقولك على السليمة بس بحرص الواد الجن العفريت.
لص الأسرار هذا يبدو كلامه معقولا نوعا ما... أومال رأيك مين اللي يفيدني يا فتحي؟
-         مال على أذني وهمس كأنه يشي بأحدهم : هشام كباكا سعادتك
-         مين يا خويا؟
-         هشام كباكا...واد زي الجن ابن حرام مصفي...ملوش في خناقات الشوارع والحاجات دي لالالا دي مخلوق دماغوا سم عفاريت وغرقان في حل الامور الوسخة لو سعادتك تعوزوا أبعتهولك.
-         خليه يجيلي انهاردة الساعة 7 بالليل هنا في اللوكيشن
-         عيوني يا استاذ
في تمام الثالثة بعد الظهر فتحت باب الشقة ودخلت...كل خلجة في جسدي تئن وترتعش والعرق يملأ جسدي ويلصق القميص بلحم ظهري رغم ان الشتاء قابعا بغيومه وامطاره وبرقه ، استقبلتني بإبتسامة وطبعت قبلة على خدي تتغدى؟ لا أنا تعبان وعايز أنام
-         بس انت مكلتش حاجة من امبارح
-         مش عايز لو مصحيتش على 6 صحيني
-         طيب مش هتقعد معايا شوية؟
-         عايز انام
-         محتاجة أتكلم معاك
-         بعدين
اللعنة!!! تتعامل وكأن شيئا لم يحدث ، القهر والذل والعجز والغضب يسحلاني سحلا وهي تسألني عن الغداء وتطلب مني أن أجالسها وعلى شفتيها ابتسامة وفي عينيها رجاء ورحيق برفانها الذي طالما أثارني يملأ الشقة...هدوؤها يقتلني لكن لعل ذلك أفضل من لو كانت ظلت طول الوقت تبكي وتصرخ وتلطم ناعية شرفها الذي نال منه ذلك القط الباحث عن رجولته على أجساد موظفاته.
لم أنم...أغمضت عيني واختبئت من نفسي ومنها تحت لحافي وأخذت استرجع الأمر كله...صوت فتحي الذي يبدو كالفحيح يرن في أذني وفكرة الإنتقام تستعر وتتأجج وصلعة أدهم المتعرقة تلمع أمام عيني ، والجملة ذاتها تلسعني وتدميني ( لقد تحرش بي) آآآه ذلك الوغد المخنث سأقتلع خصيتيه وأفقأ عينيه وأصفعه ألف مرة...سأنتف شعر رأسه اللزج الغارق في الزيت شعرة شعرة ، لست انا ذلك الذي تحوم الضباع حول زوجته فيستكين ويخنع أو يربت على كتفها مهدئا ويحاول إقناعها أنه طالمها اخلاقها فوق الشبهات فهي ضحية والكلاب كثر...هيهات سأخلع قلبه خلعا.
نهضت من الفراش وتحممت خرجت من الحمام فوجدتها أمامي تنظر إلي في دلال تحاشيت النظر إليها طأطئت رأسي ودخلت غرفتي ووقفت أمام المرآة في محاولة فاشلة لهندمة ثيابي...إنها تطالعني في دلال...في عينيها دعوة صريحة ، تلك المجنونة !!! مؤكد سبب دلالها حث لي أن أسارع بالانتقام ، قريبا يا عزيزتي أفعل.
في تمام السابعة وصل ذلك المدعو كباكا ، عكس ما تخيلته تماما نحيلا يرتدي بنطالا بنيا واسعا يبدو أكبر من مقاسه بثلاث درجات على الأقل أحاطه بحزام أحكم لفه حوله فتكسر البنطال وانبعج حول وسطه وسترة صيفية صفراء مهترئة قصيرة ونظرات ماكرة وشعر أصفر مصبوغ بصبغة رديئة وينتعل شبشبا أشبه بالقبقاب ، صافحني بإحترام لا يخلو من نظرة مكر وتفحصني لبرهة وجلس صامتا مشبكا يديه .
-         انت كباكا؟
-         هشام كباكا يا بيه
-         تشرب ايه يا هشام
-         يدوم سعادتك انا شارب كل حاجة
-         بتشتغل ايه يا كباكا؟
-         يبتسم بمكر : سامحني يعني اللي اعرفوا اني جاي هنا عشان مشهد سيما مش عشان حد يحقق معايا ولا انا فهمت غلط؟
-         لا انت فهمت صح انا بس قلت ندردش شوية
-         هو ايه الموضوع يا بيه؟
-         مشهد انتقام بدافع الشرف ، واحد اتحرش بزوجة وجوزها عايز ينتقم
-         والزوج ده ابن بلد ولا ابن ذوات سعادتك؟
-         تفرق في ايه؟
-         تفرق جامد يا باشا يا خبر ابيض!!!
-         ازاي؟
-         مهو لو الزوج فقير وعلى قد حالوا كبيروا أوي يضربوا علقة أو يحدفوا طوبة تفتح دماغوا أو يسلط عليه شوية عيال من تحت كوبري امبابة يعملوا معاه السليمة لكن لو مقتدر الموضوع يختلف.
-         لا هو الراجل مقتدر
-         يبأة في كذا طريقة
-         انا مش عايز الطريقة يا كباكا
-         كباكا بنظرة حذرة : أومال ايه سعادتك؟
-         انا بسأل عن التوقيت ، إمتا الوقت المناسب لتنفيذ جريمة زي دي ؟ بالنهار بالليل كده يعني
-         شوف يا باشا بالنهار مينفعش حد ينفذ حاجة زي دي بالنهار ممكن تنشل واحد في أتوبيس أو تسرق بنك لكن جريمة شرف الوضع اوعى وشك
-         يعني تقصد بالليل انسب؟
-         بالليل الدنيا بتكون هادية والناس بتفكر تريح جتتها لكن ودانها مطأطأة على دبة النملة يعني الراجل ده لو اتضرب بسكينة مثلا وصرخ الشارع اللي هيبان انه فاضي ده هيتملي بناس في ثانية.
-         أومال امتا؟
-         قبل المغرب بنص ساعة بالظبط وجو الشتا يخدم أوي في الليلة دي
-         واشمعنا قبل المغرب بنص ساعة؟
-         أقول لجنابك ، اكتسب ثقة واعتدل في جلسته وارخى عينيه قليلا : المغرب هو التوقيت اللي لو ارتكبت جريمة وحد شافك مش هيسألك بتعمل ايه ، الناس بتكون مخلصة شغلها ومخها بيغلي ومحدش فاضي لحد طبعا الزوج مش هيختار مكان زحمة لكن على الأقل لو حد لمحوا مش هيفكر يجري وراه أو يسأل حتى في ايه .
الشيطان يبدو كلامه وجيها عكس هندامه وملابسه الرثة ، أفكاره صفراء مسمومة كأسنانه التي استوطنها النيكوتين مستعمرا وفارضا وجوده.
-         كومت رزمة مالية في راحة يدي ومددت بها إليه وبصوت مرهق: شكرا يا كباكا لو احتجتك تاني هخلي فتحي يكلمك.
-         لمعت عيناه وخطف رزمة المال وهو يتمتم مبتعدا : خدامك يا برنس الجيل رنة من فتحي هتلائيني أودام عنيك.
رؤية المشهد تبدو الأن أوضح ، اللعنة روح المخرج لا تغادرني حتى وانا أخطط لجريمة !!! أخرجت دليل الهاتف قلبت ورقاته الصفراء شركة قاروبي لل...لا ليست هذه...شركة قا...نعم هذه...طلبت الرقم أجابني صوت انثوي ناعم تلت علي خدمات لم أطلبها ، صمت حتى انتهت من تلاوة قائمتها المملة ثم سألتها عن الداعر شخصيا فأجابتني أنه قد غادر الشركة منذ نصف ساعة ، أخبرتها أنني مندوب شركة أثاث وطلبت عنوانه كي أرسل له طاولة الطعام التي طلبها ، طلبت مني معاودة الاتصال بعد ربع ساعة حتى تسأله فاجبتها أنه أكد على ضرورة إحضار الطاولة اليوم قبل التاسعة مساءا ونسى أن يعطيني العنوان وهاتفه مغلق وأخشى التأخير فربما كان عنوانه بعيدا وانا قادم إليه من منطقة صناعية ...ترددت قليلا ثم أعطتني العنوان ومعه معلومة فحواها أنه ربما لا يكون في البيت لأنه تعود على الخروج لتناول غداءه بعد الرابعة والنصف وربما لم يعد حتى الأن ، طربت نفسي وانا أدون العنوان ومعلوماتها المجانية ، غدا قبيل المغرب بنصف ساعة موعدنا.
خرجت بالسيارة على غير هدى لم اشعر بنفسي إلا وانا في ميدان الكوربة ركنت السيارة ونزلت ، تمشيت قليلا ، الهواء يبدو منعشا وبه لسعة برودة وبعض أعمدة الانارة منطفئة فزادتني شعورا بالوحشة  ، توقفت مستندا على سيارة إقترب مني رجلا هزيلا مسنا يحمل ممسحة أحذية وسألني برجاء: تمسح يا بيه؟ طالعته ولم أجب ، أعاد علي السؤال ، دمعت عيناي وابتعدت بخطوات متخبطة .
في الحادية عشر ليلا عدت إلى البيت استقبلتني بنظرات مشفقة معاتبة سألتني؟ تتعشى؟
-         بعصبية منهكة : إسأليني عن أي حاجة غير الأكل وحالتي النفسية ممكن؟
-         طيب تعالي احكيلي مالك
-         بعين منكسرة: ملكيش دعوة انا تعبان
-         وانا كمان تعبانة
-         خلاص سيبني انام وارتاحي انتي كمان
-         راحتي مش في النوم وانت عارف
-         تصبحي على خير
نادتني مرتين ولم أجب ، سمعت صوت بكاءها خفيضا ولم أهتم أخذت حبة منومة لم تترك في نفسي خدرا فتناولت ثانية ونمت أو فلنقل إغماءة متعمدة.
جرس الهاتف يرن ، تجاهلته فازداد رنا في إصرار طالعت شاشته كان مساعدي يتصل أجبته بصوت ناعس
-         أيوة
-         استاذ حضرتك إتأخرت على التصوير
-         خلي الجماعة يروحوا مفيش تصوير
-         بصوت متردد:طيب مش كان الاحسن حضرتك تقولنا من امبارح بدل ما لوكيشن وتكاليف وعمال و...
-         صرخت : مش عايز رغي على الصبح فركش وخلاص ...وأغلقت الخط
أحب ذلك الفتي لكنه اختار وقتا عقيما لمفاتحتي في أمور لا تتحملها أعصابي ، عندما تهم بإرتكاب جريمة فليس من الصحيح أرباك عقلك بأمور أقل أهمية.
لم أخرج من حجرتي طوال اليوم...طرقات يدها الرقيقة على الباب لتطمئن علي وانا أجيبها : انا كويس ومش هاكل
-         هتفضل بس على السجاير ينفع كده؟
-         سيبيني لوحدي
-         محتاجالك
-         قولتلك سيبيني لوحدي
التحضير لما انتوي فعله أهم كثير من تبرمك الانثوي الأن ، جلست أرقب الساعة وعند الرابعة اخذت حماما ساخنا زاد مشاعري تأججا وأعصابي شدا ، إرتديت بنطالا أسود وقيمصا اسود وجاكيت اسود تأملت نفسي في المرآة فبدوت شبحا يبحث عن كرامته الخفيه وراحته العصية ، خرجت من حجرتي رأيتها جالسة في غرفة المعيشة تطالع مجلة تحاشيت النظر إليها وخرجت مسرعا من البيت وأغلقت الباب في رفق.
حي المعادي الراقي ، إحدى شوارعه الخلفية الهادئة ذو الاشجار المتعانقة وسيارات فارهة تصطف على جانبيه رقم العمارة حسب العنوان الذي أعطتني إياه السكرتيرة صاحبة الصوت الناعم و جلست في سيارتي أرقب...الساعة الخامسة إلا الربع ....وقت مناسب لارتكاب جريمة حسب نصيحة مستشار الشيطان كباكا ...دقات قلبي أعلى من صوت موتور سيارتي ويدي ترتعش وانفاسي متهدجة وحلقي جاف كأنني مقبل على إجراء عملية ختان في عمري هذا.
ها هو ينزل درجات سلم باحة العمارة الراقية ...بشعره اللزج وتأنقه السخيف ...قطع الطريق إلى سيارته ، نزلت من سيارتي واقتربت منه...الشارع هادىء جدا وكباكا كأنه شبح يحوم حولي بكلماته ، فتح باب السيارة وقبل أن يهم بالركوب ناديته : يا مخنث...إرتجف ولم يلتفت تسمر مكانه ، قلبي يدق لكن رجفته زادتني ثقة فقلت بصوت هادر : كنت فاكر انك ممكن تتسلى بستاتنا وهنقف نتفرج عليك؟ لم يلتفت ازداد جسده ارتعاشا وخرجت منه حشرجة وتمتم : انت انت مين ؟
وقفت خلفه مباشرة متلذذا برعشته وهمست في أذنه : أنا غلطة عمرك يا ابن الكلب
تصبب عرقا وازداد جسده ارتعاشا حاول ان يلتفت فلم يطاوعه جسده وهذا يزيد من لذتي ، صرخت في أذنه وانا واقف خلفه : أنا هعملك خرئة متساويش مليم تخلي اي ست تشوفك تتف عليك وبكامل قوتي هويت براحة يدي على قفاه فسقط على الأرض مجندلا دون حراك !!! وقفت مبهوتا لا أدري ماذا أفعل ، أرتعدت أطرافي تركت جسده مسجيا على الأرض وجريت بأقصي سرعتي تعثرت وسقطت أكثر من مرة وأخذت سيارتي وابتعدت ، عدت إلى البيت وأنفاسي تحاول الخروج من صدري على استحياء واطرافي ترتعش ووجهي يزداد شحوبا ، ارتميت على أول كرسي لاهثا ، جاءت بعين قلقة ربتت على كتفي وسألتني:
-         مالك؟
-         لم أجب
-         أعادت السؤال نظرت في عينيها مباشرة دون أن أتحاشاها قائلا بصوت لاهث : خلصت على الكلب
-         توتر صوتها : كلب ايه؟
-         بتسأليني؟
-         كلب ايه جاوبني
-         الكلب اللي اتحرش بيكي
-         بعين حائرة : الكلب اللي اتحرش بيا!!!
-         صاحب الشركة اللي اتحرش بيكي من يومين
-         بعين يملؤها الرعب : مالوا؟ ايه اللي حصل احكيلي
-         ضربتوا
-         ازاي
-         طلع أهيف من ورقة ضربتوا على قفاه فوقع زي الستات
-         وبعدين
-         أبدا وقع متحركش وانا رجعت على البيت
-         بس كده؟
-         أه بس كده
و...توقفت عيناي على شاشة التلفاز أمام نبأ عاجل يقول أن صاحب شركة مرموق وجد أمام منزله ميتا جراء أزمة قلبية وهبوط حاد في الدورة الدموية ويستبعد وجود شبهة جنائية وصورته وهو ملقى على وجهه تملأ الشاشة... صمت شديد الوطأة تملكني وهي افترشت الأرض في ذهول وانا أطالع الشاشة بعنين خاويتين ثم أخذت تبكي وتصرخ وانا أنظر إليها في استسلام.
رفعت وجهها مبللا بالدموع تسألني : ليه عملت كده؟
-         ليه؟ مش انا الراجل اللي واحد يتحرش بمراته ويسكت
-         بصوت مستغرب : لكن انت الراجل اللي يهمل مراته بالاسابيع والشهور صح؟
-         ده مش موضوعنا
-         لأ ده موضوعنا
-         تقصدي ايه
صمتت وبكت قليلا وبصوت أسف قالت : الراجل متحرش بيا ولا حاجة انا اللي اخترعت القصة دي ، قلت يمكن ده يخليك ترجع تهتم بيا زي الأول ، انت اهملتني كتير اوي وحاولت معاك بكل الطرق ومفيش فايدة و...
إخرسي !!! بصوت واهن مرتعش: أنتي عايزة تقوليلي انك خلتيني أرتكب جريمة قتل لمجرد أني أهملتك ؟ انتي أكيد مجنونة
-         انا مش مجنونة أنا متوقعتش أنك هتتصرف كده انا قلت انك هتعرف قيمتي أكتر وتهتم بيا
تركها ودخل غرفته أغلق على نفسه ظلت تطرق الباب باكية وقف أمام مرآته يطالع نفسه ويبصق عليها!!
عند الصباح في اللوكيشن وقف يطالع العمال وهم منهمكون في تجهيز الديكور والإضاءة إقترب منه مساعده : جاهزين يا استاذ.
تأمل بطلي المشهد ، إنعكست الاضاءة على وجه فأغمضها منزعجا وجلس على كرسيه حاول ان يرتشف قهوته فارتعشت يده وسقطت وانكسر الفنجان وبصوت واهن : أكشن

وطأطأ رأسه.......إلى الأبد.