الأحد، 26 أغسطس 2012

مفترق طرق2


مفترق طرق2
في مكتبه داخل الشركة التي يعمل بها والتي لم تكن تمت لتخصصه بصلة جلس يحيى وقد سيطر عليه الضيق...ضيق مزدوج...زواجه العاصف ومستقبله المكبل بأغلال مشتتة....درس يحيى الإعلام وأحبه لكنه ظل يعمل خارج تخصصه لسنوات...والأتعس أن زوجته تعمل معه داخل نفس الشركة وإن كانت في إدارة أخرى...فحملت معاها مشاكل البيت إلى العمل... غيورة في حدة السكين ... وعصبيتها كالنار تلفح كل من حولها...استكان يحيى في مقعده يتطلع إلى الحاسوب أمامه بنظرات خاوية...ومن باب الملل عبثت يداه على لوحة المفاتيح متسللا إلى أحد مواقع الدردشة...وظل صامتا يرقب...أناس من هنا وهناك ومن كل بلد يتحادثون ويضحكون ويسبون بعضهم البعض...عالم كثير ما سمع عنه ولم يقترب منه مكتفيا بما سمعه...الملل وحده ساقه إلى تلك البقعة الألكترونية...لا يدري ماذا يفعل...وإذا علق أو كتب ماذا يقول؟...كيف يندمج وسط هذا الجو العاصف من الكلمات التي تتقاذف هنا وهناك....ووسط هذا العبث الكلامي...لمح اسما أنثويا صامتا لا يعلق ولا يحرك ساكنا...جذبه الإسم...ظل مترددا في ان يكتب إليها...وإن كتب فماذا يقول...تسلل إلى صفحتها الخاصة وكتب إليها بيد مرتعشة..."يا ترى سكوتك ده وقار ولا مش عاجبك اللي بيتئال؟"...وتوقف وقلبه يدق في عنف...والذي جعل قلبه يدق بشكل أعنف.............أنه تلقى منها ردا .
*********
داخل إحدى شركات الوساطة المالية في وسط العاصمة وفي طابق مرتفع داخل أحد الأبراج المهيبة جلست درة خلف مكتبها تتابع شئون البورصة وأخر التطورات في دنيا المال وقد أنهمكت في متابعة مؤشر بورصة الكويت ولندن وطوكيو وتتلقى إتصالات وإجراء مكالمات بعدد من العملاء...كانت درة مستمتعة بعملها إلى حد كبير وتجد فيه عوضا عن زواجها المرتبك وعلاقتها بزوجها الغير مستقرة...كانت تعتبر المكتب هو حياتها الأخرى التي تنفصل بها عن رتابة إيقاع البيت والزوج...وبعد أن أنهت "معمعة" أولى ساعات العمل...جلست تحتسي قدح النسكافيه المفضل لديها وتفكر...إن أشرف ليس أسوأ الرجال الذين تزاحموا طالبين ودها ويدها...بل إن والدها أوضح لها حين تقدم أشرف لخطبتها أن شخصيته بها كثير من العيوب...لكنها أصرت على الزواج منه...إلا أن الغربة ووجودهما وحدهما في ذلك البلد...كشف لها إلى أي درجة هو طفولي النزعة غير قادر حتى على تحمل مسئولية ولدهما...وتقلص الحب داخلها شيئا فشيئا حتى تلاشى...وتحول تدريجيا إلى ضيق...ثم عدم إكتراث...حتى عندما إكتشفت أنه أصبح مدمنا لمواقع الدردشة لم تلقي بالا لهذا بل وجدت فيه الحل كيف يلتهي بدردشته عنها فلا يطلبها إلى الفراش...كان لمسته تبعث فيها الرغبة في القيء...و..........فكرة قفزت إلى رأسها وسيطرت على عقلها...إذا كان زوجها يجد في مواقع الدردشة الإلكترونية متنفسا فلماذا لا تجرب هي الأخرى....ماذا ستخسر؟ ...كثيرات هن صديقاتها اللاتي جربن تلك الطريقة من باب التسليه وهن متزوجات ولم يخسرن شيئا وهي قوية بما يكفي كي تتراجع لو أحست أن الأمر سيتحول معها إلى إدمان...وسرعان ما كانت أصابعها تعبث فوق لوحة المفاتيح بحثا عن أحد مواقع الدرشة...لتجد نفسها أمام عالم من الكلمات التي لم تستطع أن تربط بينها في حديث واحد...جمل من هنا ومن هناك تقابل بعبارة إطراء أو سباب ....رأت الأمر أصعب مما سمعت وأن العبارات الخادشة لمسامعها وعينيها تجعلها مجبرة على الصمت...وصمتت...وبعد فترة صمت...تلقت عبارة مختلفة...لا تحوي سبابا أو غزلا فجا...ولكن مجرد تساؤل على إستحياء... ..."يا ترى سكوتك ده وقار ولا مش عاجبك اللي بيتئال؟"ولم تستطع أن تقاوم رغبتها في الرد...فوجدت نفسها تكتب...."الحقيقة الكلام كلوا شتيمة ومش عاجبني"...........وكانت تلك هي البداية.
**********
ضربات قلبه العنيفة تصاعدت بشدة حين تلقى يحيى ردها...كان الرد رقيقا ...هادئا...ليس عبثيا كعبارات أغلب النماذج الأنثوية التي تابع ردودهن أمامه...كانت تبدو متحفظة وليست كارهة...واستشعر أن تلك هي السابقة الأولى لها مثله تماما وهو ما أشعره بالتوحد معها...سألها...من أي بلد؟ فأجابت...مصرية...لمس الرد قلبه أكثر واشعره بحنين استوحشه...سألته:منين في مصر؟ أجابها: أنا عايش برة مصر...ردت في سرعة : فين برة مصر...أجابها: الكويت.....ليأتي ردها بردا وسلاما على قلبه....."بصرة....أنا كمان في الكويت"......ووقع في قلب يحيى إحساسا غاب عنه منذ سنين بعيدة.
                                           *************

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق