الأحد، 14 أغسطس 2011

أنا وصديقي 4

لصديقي مع ربيع ثورة 25 يناير....ربيع أخر!!!
هب ربيع الثورات العربية وكان لها داخلي وداخل كل عربي نصيب كبير من الإهتمام والمتابعة ...والمشاركة...وكان حالي حال كل المغتربين الذين تابعوا تفجر ثورة 25 يناير ...كنت أعض على يدي غيظا لأن القدر شاء أن أكون خارج مصر فأحرم من النزول إلى ميدان التحرير الطاهر الذي إحتضن دماء أخواننا من الشهداء ...ومنذ إنطلاق الثورة في يومها الأول لم يدر مصري أو عربي عينه عن شاشة التلفاز ويتنقل من محطة تلفزيونية لأخرى كي يتابع خبر من هنا وحدث من هناك...كنا نتابع بألم تارة وبحماس تارة أخرى...كن الأمل بداخلنا جميعا في ميلاد مصر جديدة...مصر التي نحلم بها جميعا...مصر العزة...مصر لكل المصريين دون تمييز.
جلست مع صديقي وكنا لا نزال في أيام رمضان الجليلة ،تقابلنا بعد صلاة التراويح وجلسنا في مقهى قريب وكان التلفاز يبث خبر الجلسة الثانية لمحاكمة المخلوع مبارك وأبنائه...كنا نتابع بإهتمام....ملت صديقي وسألته....تتوقع أن يعدم مبارك في نهاية الأمر؟...أجابني صديقي في ثقة: الحق أحق أن يتبع وجزاء مبارك ليس من الضروري أن يكون من خلال محاكمة فيعدم...فالطغاة على مر التاريخ لم يكن جزاء معظمهم الموت على يد العدالة الدنيوية...فالعدالة الربانية أعظم وأجل...تذكر شارون وما هو فيه الأن....تذكر الحجاج كيف كان وإلى أين إنتهى....كل الطغاة إلى زوال .
سألت صديقي:أنت صديقي منذ زمن ولا أتذكر أنك سافرت في فترة تفجر الثورة ولكنك كنت مختفي عن الأنظار...كيف تابعت الثورة؟
شبك أصابعه خلف رأسه متأملا وقال:كنت معها...تابعنا إنطلاق الثورة معا...تابعنا كل ساعة...كنا نحبس أنفاسنا سويا ونحن نستمع إلى الراديو.
قاطعت صديقي قائلا:أوتقصد فتاتك؟...حبيبتك التي تحدثني عنها دائما؟
أجابني:نعم
سألته:كيف تابعتم الثورة معا وأنتما لم تتزوجا حسب ما أستنتجت ؟
نظر صديقي إلى شاشة التلفاز متأملا ثم قال:لم تكن حبيبتي من المتابعين والمهتمين بالسياسة وما يجري من النظام السابق...كان أذنها تتعلق بخبر هام يتدواله الناس بعض الوقت ثم تواصل أهتماماتها اليومية العادية...كنت تستشعر أن الحديث عن السياسة والبلد والأحوال المتردية هو كلام موجع للقلب والعقل معا ولا طائل منه.....إلى أن إنطلقت الثورة التونسية...وتزامن إنطلاق الثورة التونسية مع مجرى جديد وفريد ومذهل في علاقتنا سويا...كانت علاقتنا في أبهى حلتها وأجمل صورتها...كنا نرى بعضنا يوميا...كنا قريبين في المسكن والعمل أيضا...كنت أذهب يوميا حيث تسكن...أنتظرها...تأتي...أترك سيارتي ونركب سيارتها معا....ونتابع أخبار الثورة التونسية معا....أوصلها إلى مكان عملها...وأذهب أنا إلى عملي...وخلال ساعات العمل كنا نتحدث في الهاتف أو عن طريق الإيميل....كنا معا دائما وبكل الطرق...وبعد ميعاد عملها كانت تجدني في إنتظارها ...ونذهب للغداء ...وفي طريقنا نتابع مستجدات الأخبار....ثم يعود كل منا في أخر اليوم إلى بيته على أمل أن يأتي يوما أخر لنتقابل...هكذا كان يومنا.
إلى أن قرأنا وسمعنا ورأينا نبأ هروب الرئيس التونسي زين الدين بن علي إلى السعودية...كان الخبر مزلزلا للجميع...فكل عربي جال في خاطره خاطر واحد وهو...إذن فالثورة على النظام تؤدي إلى نتيجة!!! يومها صباحا قابلتها...سألتني:أسمعت...قلت:نعم....قالت:برافو..لم أكن أتوقع أن يحدث هذا في بلد عربي...أجبتها:ولكنه حدث والحمدلله ....قالت:لكني أستبعد أن يحدث هذا في مصر....أجبتها:أنا اتوقع العكس فما يحدث في مصر حاليا ينبأ ولا شك بثورة وخاصة أن الشعب المصري يشعر بالغيرة من الشعب التونسي ويرى في نفسه قادرا على القيام على ثورة مماثلة .....وأخذنا نتحدث في أمور كثيرة....كنت أراها بعين مختلفة...إكتشفت أنها ليست مصرية فقط...بل تذوب عشقا في حب هذا الوطن....كانت دائما ما تضع أغنية "حلوة يا بلدي" وتعيد سماعها مرات ومرات...وجاء يوم 25 يناير...كان يوم جمعة...وكان يوم الجمعة يوم صعب علينا...فهو اليوم الوحيد الذي نحرم فيه من رؤية بعضنا لأسباب معروفة لكلينا...ولكن الرسائل بيننا في هذا اليوم لم ينقطع...كنا نتابع تطور الأحداث في ذلك اليوم شأننا شأن أي مصري بإهتمام بالغ...كنا نكتب لبعضنا طوال الليل ثم يأتي الصباح فنتقابل ونظل نتحدث ونحلل ما يحدث في مصر حتى تصل إلى مكان عملها...وأذهب أنا إلى عملي...ثم نتقابل بعد الظهيرة للغداء سويا نستمع إلى الراديو في السيارة بإهتمام...ثم نتحدث ونحلل ما سمعنا...قربتنا هذه الأحداث من بعضنا أكثر ...أحببتها بشدة...عشقت حماسها ...عشقت عشقها للحرية وكرهها للظلم ....ومع توالي أيام شهر يناير وتصاعد الأحداث ولجوء النظام السابق إلى أخس وأبخس طرق القمع...أبرزها أطلاق المساجين ليشيعوا جوا من الفوضى والهلع بين المواطنين....وحدث هذا بالفعل...وأنطلق السجناء والبلطجية أول ما أنطلقوا إلى أماكن سكن الصفوة من المجتمع....وكانت أهلها يعيشون في واحدة من تلك المناطق....كان الرعب والقلق يساور كل مصري خارج مصري على أهله خاصة بعد إنقطاع الإنترنت وخطوط الاتصال في مصر ولم يعد من المستطاع الإطمئنان علي الأهل....وأصيبت حبيبتي بالرعب والهلع على أهلها...كانت شديدة التعلق بهم وأظنها لازالت كذلك وكنت أحترم هذا فيها...ووسط حالة القلق قررت هي أن تسافر إلى مصر للإطمئنان على أهلها...كنت خطوة سريعة وخطرة ومتهورة ....وأخذت في النصيحة ألا تفعل حتى أقنعتها بالعدول عن فكرة السفر...وفي اليوم الثاني عادت خطوط الاتصال وأستطعت أنا وهي وكل المغتربين أن نطمئن على أهلنا هناك....كانت أيام فريدة في حياة كل مصري...ورغم أنها كانت أيام صعبة...لكن وجودنا سويا في تلك الفترة يوميا لأكثر من ثماني ساعات كان يجعلها في عيني أيام جميلة...كانت الثورة في الشتاء وكان الشتاء دائما يجمعنا سويا....كنا نتشارك في حب الشتاء والخوف والضيق من الصيف...وجاء يوم خطاب التنحي...ذلك اليوم المشهود...كنت أنا في البيت وكانت هي في أحد المجمعات التجارية...وكنا نتبادل الرسائل...وجاء خطاب التنحي ...ذهب مبارك وحاشيته الفاسدة...تزلزلت الأرض من حولي من حجم الفرحة ....كتبت إليها فرحا وكتبت هي لي في فرحة مماثلة...حلمت أنا وهي بمصر جديدة...مصر التي ظللنا نحلم بها كل يوم قضيناه خارج مصر...كانت أيام الثورة ميلادا لثورة جديدة داخلي انا وهي...تشاركنا كل شيء...كنا نحلم سويا...ونجلس سويا...ونأكل سويا...ونضحك سويا....ونتألم ونتلوى حزنا على شهدائنا سويا....كنا سويا دائما...كنا دائما معا.....
صمت صديقي...تأملته بعيني لدقائق...ثم قلت:كل هذا الحب فلماذا لم تتزوجا؟...صمت طويلا ثم أجابني:كان في حياتها ما يستدعي أن ننتظر بعض الوقت ثم تعثرت أنا ببعض الأزمات والمشكلات التي أوجبت أن نتمهل قليلا....كانت غلطة كبيرة دفعت هي ثمنها...قلت له:أرى أنك أنت الذي يدفع الثمن حزنا على فراقها.....نظر إلى نظرة حزينة وقال:لا...ما مرت به هي أكبر من إحتمال الجميع....وصمت صديقي وصمت أنا أيضا وأدرت عيني إلى التلفاز اتابع خبر محاكمة مبارك وانا أسأل نفسي.......أي حب هذا!!!!!!
وللحديث مع صديقي بقية,,,,

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق