الخميس، 11 أغسطس 2011

أنا وصديقي 3

طلبت من صديقي كلمة....فاستأذن في ثلاث كلمات...لها

خرجت من البيت غاضبا بعد مشادة مع زوجتي،عدت من العمل متعبا ودخلت إلى حجرتي أبحث عن بعض الراحة...جاءت زوجتي ووجهها يحمل علامات الغضب...تجاهلت الأمر أملا في أن أحصل على قسط من النوم وبعد أن أستيقظ أستفسر منها عن سبب غضبها!!...دخلت إلى الفراش فجاءت تجلس بجانبي ووجهها يحمل علامات التردد في أن تفاتحني أم لأ...لم أسألها عن سبب ذلك العبوس على وجهها لعلمي بطبيعة زوجتي فما إن أسألها عن ما حدث حتى تندفع في الحكي وتأتي بحديث من هنا وقصة من هناك ويضيع أملي في النوم....لهذا قررت تجاهل الأمر....تصنعت النوم وأغمضت عيني...فهمست في أذني...إبنتك ترفض الحجاب!!! جملة من ثلاثة كلمات إخترقت رأسي ولم يستوعبها عقلي وصدمتني....فإبنتي ذات الأربعة عشر عاما كبرت ونضجت والأن أمها تحدثها في أمر الحجاب وتغطية الرأس!!!! كيف كبرت ومتى وأين!!!!!!! إعتدلت في سريري وسألتها مندهشا:ومن الذي فتح هذا الحوار؟ أجابتني زوجتي في دهشة:أنا...أبنتك تبلغ من العمر أربعة عشر عاما ووجب عليها أن تلتزم الحجاب....قاطعتها في عصبية:الحديث في مثل هذه الأمور الحساسة لا تكون بالزجر أو العصبية ...تفاجئت زوجتي بعصبيتي فقالت مندهشة:ومن أخبرك أني تحدثت معها بعصبية؟ صمت قليلا حتى يستوعب عقلي ما أسمع والارهاق في العمل يضغط على أعصابي...ثم سألتها:ما الذي جرى بينكما ؟ماذا قلتي لها وكيف جاء ردها عليكي؟ تنهدت زوجتي وأجابتني:كنت أعد الغداء في المطبخ وطلبت منها أن تساعدني فجاءت وبينما نحن منهمكين في إعداد الطعام سألتها:ألم يحن الوقت للحجاب؟ نظرت لي نظرة المصدومة وقالت:لا ...ليس الأن...لا أريد الحجاب الأن وعا...قاطعت زوجتي قائلا:إذن هي طلبت تأجيل الأمر ولم ترفضه....أجابتني زوجتي في صوت غاضب:الأمر ليس بيدها وليست هي من تحدد متي ترتدي الحجاب بل نحن....نظرت إليها وانا غير مصدق أن يكون تفكيرها بهذا التعنت ....خرجت من الحجرة دخلت إلى حجرة إبنتي....كانت في فراشها مستيقظة تسمع بعض الأغنيات...وقفت على باب الحجرة صامتا...نظرت لي وعيناها تحمل تساؤل عن سبب دخولي عليها مندفعا هكذا....وانا صامت...أحسست أن هذا ليس الوقت المناسب لمفاتحتها في الأمر، فلو فعلت سيتولد داخلها إحساس لحظي أنني أقف مع أمها ضدها وهذا خطأ ما كان لي أن أقع فيه...إبتسمت لها إبتسامة مرتبكة وأغلقت باب حجرتها وخرجت....عدت إلى غرفتي فوجدت زوجتي تنتظرني وفي عيناه شغف وفضول وسألتني:هل تحدثت معها؟ أجبتها:لا.....سألتني بعصبية:لم؟ أجبتها بعصبية مماثلة:لأني رأيت أن الوقت ليس مناسبا.......أنفعلت وأرتفع صوتها قائلة:ومتي الوقت المناسب في تقديرك؟ رمقتها بنظرة نارية وأدركت أنني قد فقدت الأمل في النوم ولو ظللت في البيت فستحدث بيننا مشاجرة لا محالة....إرتديت ملابسي على عجل وخرجت صافعا الباب خلفي....نزلت وركبت سيارتي ولا أدري إلى أين أذهب ...وأول من خطر ببالي هو صديقي....إتصلت به سألته عن مكانه...وذهبت إليه...قرأ ملامحي أول ما دخلت عليه ....عرف أن شيء ما حدث ...لكنه لم يسألني...كنت أعلم أنه من الذكاء بحيث لن يبادرني بسؤال عما يعكر مزاجي ...كان هذا طبعه...ولهذا أحببته...جلست معه...سألته في أمور أخرى حتى أخرج من التوتر الذي أصابني بسبب ما حدث....نظر في عيني مباشرة وسألني:ما بك؟ نظرت إليه وأجبته دون مراوغة:خلاف مع زوجتي....إبتسم في هدوء وقال:الخلاف بين الزوجين يحدث دائما وهذا أمر طبيعي...ولكن تختلف أسباب الخلاف....لو كان السبب من الممكن أن تتحدث فيه فانا أستمع إليك....أجبته بعصبية:زوجتي تريد من إبنتي أن ترتدي الحجاب وهي ترفض وانا لا أريد أنا أفاتح إبنتي الأن في هذا الامر الحساس وهذا لم يعجب أمها فتشاجرنا وخرجت من البيت غاضبا .....صمت صديقي قليلا وطأطأ رأسه قليلا ثم نظر إلي وقال بصوت هاديء:رفقا بالصغيرة ولا تضغطوا عليها وإن آجلا أو عاجلا سترتدي الحجاب ولكن بالهدوء وأبتعدوا عن الحديث عن هذا الموضوع على قدر المستطاع.....سألت صديقي بلهفة:ولكن ماذا لو مر عام أو عامين أو ثلاثة ولم تشعر بالرغبة في الحجاب؟ ضحك صديقي وأجابني: سترتديه في العام الرابع لا محالة....قلت له في عصبية:وماذا لو تركناها ولم نحدثها في الأمر ولم تقتنع هي ومرت السنوات ولم تتحجب؟ أجابني صديقي بنفس النبرة الهادئة الواثقة:ستتحجب في نهاية الأمر أنا واثق يا صديقي .....تعجبت من ثقته وصوته الهاديء...كان نبرة صوته نبرة العارف الواثق من أن هذا سيحدث كأنه يعرف إبنتي أكثر مما أعرف....سألته:من أين جاءتك كل هذه الثقة؟.....أجابني وقد أدار ظهره لي وبصوت خافت:هي من علمتني هذا...هي من لقنتني ذلك....أزال صوته الخافت التوتر من داخلي وأنساني عصبيتي وخروجي من البيت غاضبا....شعرت أنه سيقول ما يستحق أن أستمع إليه ....سألته بنفس الصوت الخافت:أتقصد حبيبتك الغامضة المجهولة ؟ نظر إلي بإبتسامة حزينة وقال:هي غامضة ومجهولة لك أنت ولغيرك ممن لم يعرفها...لكنني أراها واضحة براقة ساطعة في عقلي وقلبي طوال الوقت.....سألته:وكيف علمتك ولقنتك تلك الثقة في أمر الحجاب؟؟؟؟.....نظر إلي نظرة طويلة كعادته كلما هم أن يتحدث عنها ثم أدار وجهه ناحية الشرفة وقال:كانت علاقتنا قد وصلت إلى مرحلة الكمال....كانت السنين قد مرت علينا وبنا ونحن معا...واجهنا سنوات صعبة وعبرناها سويا...وبعد أحداث ليست بالسهلة ....قررنا أن نتزوج...كنت أعشقها حقا...وكنت أخاف عليها حتى من نفسي...كانت في عيني أطهر من قابلت ...وكانت كذلك بالفعل....صمت قليلا ثم أكمل....لم تكن حبيبتي محجبة...هكذا كانت هي...هي من بيت طيب رفيعة الخلق على قدر نادر من الرقة وعلى قدر وافر من الثقافة....وكانت قريبة الصلة بالله ...كانت في عيني هكذا وأكثر...لكنها قلبها لم يكن قد إستعد بعد لقبول فكرة إرتداء الحجاب....كنا نتهيأ للزواج....كنا نتهيأ نفسيا على أقل تقدير...كنا نتناقش في كل ما يتعلق بحياتنا القادمة معا....وكان ذلك الصدام الأكبر بيننا...فاتحتها يوما في أمر الحجاب...كنت أريد أن تكون حياتنا سعيدة وكنت أرى أننا لن نعيش سعداء إلا لو إقتربنا من الله حقا...وكنت أيضا أخاف عليها ممن تتعلق عيونهم بالفتاة فيحكمون على  أخلاقها من ملابسها وعطرها فيتقربون إليها طمعا وشهوة....كان قلبي وعقلي يريدان لها السلامة دائما.....ولهذا فاتحتها...لم أكن أريدها أن تتحجب رغبة مني في السيطرة أو بحكم بيئتي المحافظة....بل أردت ذلك حبا فيها وتقديرا لها....وأستقبلت كلامي بحب مماثل ووعدتني أن ذلك سيحدث...ولكنني لما أمهلها الوقت الكافي حتى تستوعب ذلك التحول الذي سيحدث لها....كان تعمل ...لم تتعود على المكوث في البيت يوما...والفتاة التي تعمل تدرك جيدا الفارق الشاسع في فرصة العمل بين الفتاة المحجبة والفتاة التي هي غير ذلك...كانت تشعر أن الحجاب سيغيرها...شكلا ومضمونا...وكانت تتخوف من هذا التغيير...كان لها الحق في ترددها فهي خطوة مصيرية....وكنت أفتقد الصبر ...كنت عصبيا بعض الشيء...بل كنت عصبيا للغاية...كانت أعصابي تفور كلمها خرجنا معا ورأيت عيونا تتعلق بها أو تتأملها بنظرات أكرهها...وانعكست عصبيتي على طريقة حديثي معها في أمر الحجاب....وحدث بيننا صدام هو أخطر صدام حدث منذ أن تقابلنا من سنوات ليست بقليلة...جرحتها بكلماتي دون أن أقصد...خانني التعبير...كنت أحبها وأخاف عليها وأريد لها الخير لكنني لم أحسن التعبير عن ذلك...جاء كلامي مهينا وكانت رقيقة ولم تحتمل...وتخاصمنا بعض الوقت راجعت فيه تفكيري وهي أيضا...ثم تصالحنا...وعدنا أكثر حبا لبعضنا البعض...قالتي لي:أريد منك الصبر فهي خطوة مصيرية في حياتي ...لا أريد منك سوى بعض الوقت...نظرت إليها في حب جارف ووعدتها أن أعطيها كل الوقت الذي تريده....هي زوجتي الطاهرة في كل الأحوال...هي من أريد بحجاب أو غير حجاب...تأسفت إليها وقبلت رأسها حبا وأعتذارا......وصمت صديقي طويلا...حتى ظننت أنه قد إنتهي من حديثه....فسألته:وماذا بعد؟.......إختنق صوته وتحشرج بعض الشيء وهو يقول:أتذكر حين أخبرتك عن الكابوس؟ أجبته في حيرة: نعم....سألني:أتذكر حين حدثتك عن شياطين الماضي التي إختطفتها ؟ أجبته في حيرة أكبر:نعم.........نظرة إلي وفي عينيه دمعة وقال:لم يتحمل قلبها الطاهر ما كان من أمر الشياطين...لم تكن من الدهاء والخبث حتى تستطيع أن تستنتج ما كان منهم والمؤامرة التي صنعوها....وبينما كنت أعاني انا من الكابوس الذي جثم على صدري حتى أعياني...كتبت لي...أتعلم ماذا كتبت؟....سألته في لهفة:ماذا كتبت؟.....أجابني بعين دامعة:كتبت لي....لقد تحجبت ....بفضلك وبتأثير كلماتك إتخذت القرار...كانت من الطهر والتواضع لدرجة جعلتها تنفي عن نفسها فضل إتخاذها قرار الحجاب...جرحتها وضغطت على أعصابها حتى تفعل ما أراه صحيحا....وعندما فعلت أرجعت الفضل لي أنا وليس لقلبها الطاهر.....إنتهي صديقي من حديثه...وصمت طويلا....وصمت أنا أيضا ....وجدت أنا أي كلام سأقوله سيكون سخيفا أمام روعة ما حكاه صديقي عنها.....قطع هو حبل الصمت وقال لي: من أجل هذا أخبرتك ألا تضغط على الصغيرة...دعوها ولا تجبروها....حببوها في الحجاب وحدثوها عنه بطريق غير مباشر وسترى النتيجة.....كان الوقت قد تأخر فقمت وسلمت على صديقي مودعا وعند المصعد نظرت إليه وسألته:لو رأيتها الأن ما أول كلمة ستنطق بها شفتيك لها....إبتسم صديقي في حزن وقال:هل من الممكن أن تكون كلمتين أو ثلاثة؟ أبتسمت له مشفقا عليه وقلت:نعم ممكن.....نظر في عيني مباشرة وقال في صوت خافت:سأقول لها....أحبك....هيا لنتزوج.........تركت صديقي ودخلت المصعد عائدا إلى البيت ولسان حالي يردد في غضب....لعن الله من فرقكما.....لعن الله من فرقكما.

وللحديث مع صديقي بقية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق