الاثنين، 22 أغسطس 2011

أنا وصديقي 6

"بعد الثامنة"...أصبح الميعاد المفضل لصديقي
قبيل شهر رمضان بشهر أو شهرين كنت كلما سألت صديقي...متى نتقابل؟!!....يجيبني...بعد الثامنة!!!...كان دائما يواعدني بعد الثامنة ولم أكن أعلق على سبب إختياره لهذا التوقيت دون غيره...كان صديقي قد تعافى لتوه من حادث سيارة أطاح به وتسبب له في إصابات عديدة قضى على إثرها ما يقارب الأسبوعين في المستشفى يتلقى علاجه من أثر الكسور والكدمات التي أصابته،وبعد أن من الله عليه ببعض الشفاء وعودته إلى بيته أصبحنا لا نتقابل إلا ليلا....وتحديدا بعد الثامنة...دائما هذا الموعد...
وأثناء خروجي أنا وصديقي من المسجد بعد إنتهائنا من صلاة العشاء والتراويح إقترحت عليه أن نتمشى قليلا بالسيارة في شارع الخليج....صمت قليلا وظهرت على وجه علامات التردد ثم أجابني ...كما تريد...إتجهت بالسيارة ناحية الخليج وصديقي صامت يراقب الطريق بشغف كأنه قد وصل إلى البلاد لتوه ويتفقد ملامحها بعينيه،تحدثنا في أمور شتى سألته عن عمله وسألني عن أحوال زوجتي وأبنتي وأحوال الأهل هناك في مصر....ثم سألت صديقي ضاحكا:لماذا تواعدني دائما بعد الثامنة....إبتسم صديقي إبتسامة هادئة وقال:لهذا الموعد أثر أخر في نفسي....نظرت إليه في حيرة وقلت:أتمنى ولو مرة أن أسألك سؤالا فتأتي إجابتك واضحة صريحة...كيف لهذا الموعد أثر أخر في نفسك!!!!ماذا تقصد؟....تنهد صديقي تنهيدة أعرفها كلما أراد أن يسترسل ويحكي ثم قال في صوت جاء عميقا رغما عنه:أتريد أن تعرف ما أقصد....أجبته في شغف:نعم بالتأكيد....قال:إنطلق بنا في هذا الإتجاه إذن...نظرت إليه في دهشة ولم أفهم الرابط بين سؤالي وتغيير مسار إتجاهنا لكنني طاوعته وإتجهت حيث أشار لي...كنت أقطع الطريق وصديقي صامت تماما إلا من بعض الإرشادات القليلة على الطريق...أرشدني إلى مكان لم أتي إليه من قبل،مكان في وسط المدينة...أو قريب منها...منطقة قديمة إسمها "بنيد القار" لا أعلم عنها غير أنها من المناطق التاريخية التي تكتظ بالشيعة ...لم يكن لي فيها مصلحة أو سبب يجعلني آتي إليها يوما...كانت المنطقة هادئة أكثر مما يجب في مثل أيام رمضان...ولم أفهم بعد ما الرابط بين سؤالي وبين هذه المنطقة...وفي داخل طرق هذه المنطقة الغامضة بالنسبة لي....قال صديقي...أول يمين...دخلت حيث أشار...ثم قال بصوت يغلبه الحماس...هنا...توقف هنا.....توقفت بالسيارة....وألتفت إليه سائلا:ما علاقة هذه المنطقة الغامضة بسؤالي عن ميعاد بعد الثامنة؟؟؟ أجابني صديقي وعينيه تتجه لمكان أخر:إنظر إلى يافطة ذلك الكافيه....نظرت حيث أشار صديقي...كان هناك كافيه يبدو هادئا ومنسجما مع ذلك المكان الأكثر هدوءا...كانت يافطة الكافيه تحمل إسم "أفتر8" ولبعض دقائق لم يستوعب عقلي أو يربط بين الأمرين فعدت لسؤال صديقي:ما عنها؟ أجابني صديقي في صوت هامس كأنه يخشى أن يسمعه أحد:هل قرأت الإسم؟...هنا فقط إستوعبت الأمر...صديقي كان دائما يواعدني بعد الثامنه والكافيه يحمل إسم "أفتر8" نفس المعنى...إلتفت بجسدي كله ناحية صديقي وسألته بفضول بالغ:أتعني أن هناك ما يربط بين ميعادك المفضل وبين إسم هذا الكافيه؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ....تعلقت عين صديقي بواجهة الكافيه وبدا لي وكأنه قد غرق في تفكير عميق وأجابني:ها هنا كان بيتنا...ها هنا كنا نحب أن نكون سويا.....نظرت إلى صديقي في دهشة وقلت:هنا أيضا كنتما سويا؟؟؟؟ همس صديقي في صوت خافت:كنا هنا دائما....كل يوم تقريبا...كنا نقضي منتصف يومنا تقريبا هنا...أو يومنا كله...كنا نذهب بعيدا ...إلى العمل أو لشراء ما تريد أو ما أريد ثم نعود إلى حيث نحب أن نكون.....هنا...منذ أن دخلناه أول مرة وقعنا في أسر هدوئه وخصوصيته...كنا نحسه كبيتنا...كنا نتبادل الأحلام هنا...هنا خططنا لكل شيء بيننا...هنا إختلفنا...وأتفقنا...وتخاصمنا ...وتصالحنا...هنا تعالت ضحكاتنا وملأت المكان ....وأرتفع صوتنا غاضبا أحيانا..هنا كان كل شيء...هنا أحتضنت يدي يدها في حب وملكتني عيناها وشغلتني عن كل الدنيا...وهنا خرجت غاضبة وخرجت غاضبا عدة مرات بسبب زلة لسان مني أو حالة غضب تملكتها....كنا نقضي ليل الخميس ويوم الجمعة وكل منا بعيد عن الأخر منشغل بحياة أخرى...ثم يأتي السبت فنأخذ بعضنا ونأتي إلى هنا في لهفة وشوق رغبة منا في تعويض اليومين السابقين.......هنا قضينا أيام الثورة المصرية...نتابع ونحلل ونتكلم بحماس غلب علينا...هنا كنا نقرأ الجريدة سويا كل يوم....هنا كنت أري إبتسامتها الصافية وضحكتها التي كانت تملأ الدنيا حولي فرحا وبهجة...هنا في أفتر8 عرفتني عن قرب وعرفتها بحب...هنا وعدتني ووعدتها....قاطعت صديقي سائلا:متى جئتما هنا سويا أخر مرة؟؟؟ جاء صوته حزينا خافتا وهو يقول:قبل الحادث الذي أصابني بيوم واحد...كنا هنا...كنا في أعلى درجات تعلقنا ببعضنا البعض...كنا نتكلم عن زواجنا...متى؟ وكيف؟ ....
سألت صديقي :إنك لم تخبرني عن إسمها حتى اليوم...ما أسمها؟؟؟ ....نظر إلى صديقي كأنه أفاق من حلم غلب عليه وقال مبتسما :هي سري وانا سرها قد أحكي عنها بحب...أفاخر بها الدنيا وهي تستحق...أحكي عنها وأتذكر مواقفها التي لا تنسى...لكن اسمها...هو حق لها هي لا أستطيع الكشف عنه إلا بإذن منها....نظرت إلى صديقي متعجبا وسألته: أهو أحترام لغيبتها أم غيرة عليها....أجابني صديقي بثقة :الإثنين...هي حبيبتي وإحترامها داخلي يملؤني....ولأنها حبيبتي فمن الطبيعي أن أغار عليها وإن كنت أتمنى لو إستطعت أن أكتب إسمها في كل مكان واملأ به الدنيا كما يملأ عليا سمعي وتردده شفتاي طوال الوقت...........سألت صديقي مشفقا عليه:أتتوقع أن تراها من جديد...أتشعر أن ما بينكما لم ينتهي بعد؟؟؟ نظر إلي صديقي وعيناه تحمل نظرة حانية واجابني:هي حولي طيلة الوقت...ومعي دائما...وأثق تمام الثقة أن ما بيننا باقي ولم ينتهي ولن ينتهي...سيأتي يوما نتجمع فيه ثانية لنكمل ما بدأناه سويا ....قلت لصديقي:الزمن عامل أساسي للنسيان...قد تمضي الايام والشهور والسنين ولا تتقابلا...وإذا ظللت هكذا تفكر بها ستتأثر صحتك ونفسيتك ....نظر صديقي إلى يافطة الكافيه وعيناه تتعلقان بها وأجابني:أتذكر قصة قيس وليلى؟؟؟أجبته مندهشا:لا أعلم تفاصيل القصة ولكن من منا لم يسمع بقصة حب قيس وليلي!!!! قال صديقي:كان الحب قد ألهب مشاعر قيس وكاد أن يوصله إلى الجنون وكان والد ليلي يرفض زواجها من قيس بعد قال فيها الشعر وكان هذا محرم وضد الأعراف القبلية في ذلك الوقت....وأشفق والد قيس على حاله وأشار عليه البعض أن يأخذ قيس إلى الحج لعل وجوده في البيت الحرام وتلك الجرعة الإيمانية يساعدانه على تجاوز أحزانه ....وذهب قيس مع اهله إلى الحج...وعند الحجر الأسود...وقف قيس ووقف والده خلفه يقول:ردد معي يا بني...اللهم أرحمني...وردد قيس...اللهم خد بيدي...وردد قيس خلف أبيه...اللهم أنت أعلم بحالي فكن معي وحولي...وقيس يكرر...ثم قال الأب...اللهم إشفني من حب ليلي....توقف قيس عن الدعاء وأنفجر باكيا وقال...اللهم لا تشفني من حب ليلى.....هكذا كان يخلص لها ويحبها.........ساد بينا صمت ليس بالطويل ثم قولت صديقي مداعبا ومحاولا تخفيف ما بداخله: تذكر أن الحب قد أوصل قيس إلى الجنون....إبتسم صديقي وأجابني :لم ينقصنا الجنون يوما...كنت أنا وهي مثالا حي للجنون...ولهذا أحببتها.....أدرت السيارة لننطلق عائدين وصديقي عيناه لا تزال معلقة بالكافيه..سألته...متي نتقابل؟ أجابني صديقي شاردا............أفتر8.
وما زال للحديث مع صديقي بقية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق