السبت، 24 ديسمبر 2011

فيلم أسماء

فيلم "أسماء"...الثورة على معتقدات كذوبة
·       حاملة "الأيدز" تحتفظ بحقها في إخفاء سبب إنتقال العدوى لها
·       الفيلم يعري المجتمع من عيوبه النفسية المزمنة في محاولة للإصلاح
·       الزوجة المحبة ترفض التخلي عن زوجها حامل المرض وتشاركه حلم الانجاب
ياسر صديق
لكل مجتمع معتقداته وموروثاته الثقافية ، وجل هذه المخزونات المعرفية والعقائدية بنيت على أسس تخضع لمعايير "العيب" والخوف من "الفضيحة" وليس على أساس الحلال والحرام والحرص على مرضاة الله والسعي  إلى تطبيق الجملة الربانية "أحبوا الناس يرحمكم الله"...يبدو كل ما سبق واضحا جليا صارخا فاضحا في فيلم"أسماء" ....الفيلم لا يطرح شخصية تحمل مرضا لا شفاء منه كما تبدو الصورة من الخارج..بل إنه يخوص داخل العورات النفسية للمجتمع فيعريها ويكشفها ويزيل عنها تقيحات ازدادت إلتهابا بمرور الزمن في محاولة رائعة لتطهير الجرح وتعافي جسد المجتمع.

يبدأ الفيلم بمشهد فاصل قاطع ...سيدة في منتصف الأربعينات يساعدها أحدهم في دخول المستشفى لإجراء عملية "المرارة" التي تسبب لها آلاما مزمنة وهي يملي عليها ضرورة آلا تتكلم ولا تفصح عن شيء...فقط الصمت هو المطلوب....وفي داخل غرفة العمليات تجرى الاستعدادات لإجراء العملية فتقطع المرأة حبل الصمت بجملة تنزل كالصاعقة على الأطباء الملتفون حولها........"انا عندي إيدز".
"اسماء" بطلة الفيلم "هند صبري" سيدة تعاني من مرض فقد المناعة المكتسبة "الإيدز" تعاني معاناة مرة من مرض المرارة ويعزف كل الأطباء عن إجراء العملية لها خوفا على أنفسهم من إلتقاط الفيروس...تعمل "أسماء" عاملة نظافة في مطار القاهرة يطلب منها رؤسائها إحضار التقرير الطبي لإكمال مستندات تعيينها وبعد تهرب لعدة أشهر تحضر أوراق تثبت أنها تحمل المرض القاتل فتفصل من عملها بعد أن رفض زملائها وجودها بينهم.
يسير الفيلم بطريقة الفلاش باك فنرى تارة مشهدا للبطلة وهي شديدة الحرص على حجب حقيقة مرضها حتى عن إبنتها الوحيدة التي ينتابها أحساس مزمن أن أمها تخفي عنها شيئا يتعلق بعفتها وأخلاقها فتتمرد البنت على حياتها وتخرج لملاقاة شاب تحبه وتهرب من المدرسة ، وتارة نرى المشهد يعود بنا حيث كانت "أسماء" شابة في قريتها الصغيرة تبيع السجاد وتتمرد على البائعين الرجال الذين يريدون إقصائها عن السوق فيراها شاب مجند فيعجب بها وتبادله الإعجاب بل وتبدأ هي في مغازلته فيثور أبوها عليها في مشهد بدا كوميديا راقيا لينتهي المشهد بالشاب يطرق الباب طالبا يدها.
على الجانب الأخر من الأحداث نرى إعلامي شهير في برامج التوك شو "ماجد الكدواني" يبحث عن قضية ساخنة تضج مضاجع المسؤولين،  يطلب من فريق الإعداد البحث عن مشاكل المطحونين من أبناء الشعب فتتوصل أحدى فتيات فريق الإعداد للعيادة التي تعالج فيها "أسماء" وزملائها من المرض وتطلب من الطبيب المعالج حالة من تلك الحالات توافق على الظهور بوجهها على شاشة لشرح مرضها ومعاناتها ويقع الإختيار على "أسماء" وسط معارضة وخوف كل زملائها عليها من مواجهة الناس.

يعود بنا الفيلم ليرتد بالإحداث إلى الوراء...إلى بداية زواج "أسماء" حيث تصر على مواصلة عملها في السوق وتقنع زوجها بضرورة ألا تعيش كالبهائم تأكل وتشرب وتنجب وتموت ، ويقتنع الزوج المحب بحجتها...وفي يوم أسود تقع ملاسنة بين "أسماء" وأحد البائعين فيصفعها على وجهها فيتصدى له زوجها ويدخلان في عراك يسقط على إثره البائع صريعا ويقذف بالزوج في السجن ليبقى السؤال الذي هو لب الأحداث!! كيف حملت "أسماء" الفيروس القاتل؟؟.
ويخرج زوجها من السجن عازفا عنها كارها لها ولا تدري السبب وراء ذلك...وفي ليلة خروجه يرمي عليها يمين الطلاق فتسأله عن السبب فيصارحها أنه مريض بالإيدز وأصيب به في السجن فتصبر "أسماء" وتحتسب وتقف بجانبه ولا تتركه وتتولد داخلها رغبة أن تعوضه بطفل يحمل اسمه فيرفض حتى لا يصيب من ليس له ذنب بوبائه...وبعد فترة تذهب "أسماء" لإجراء التحاليل وتعود لتخبر زوجها باكية أن المرض قد انتقل لها ولم تعد هناك حجة تمنعه من الإنجاب وبالفعل تلد "أسماء" بنتا...لتكشف الأحداث بعد ذلك أن أسماء إدعت المرض فقط كي تشارك زوجها مرضه وحلمه في الإنجاب وأنها لم تحمل المرض إلا عندما بدأ الإتصال الجنسي بينهما ..يموت الزوج ويطالبها أخاه بمغادرة القرية...وتفعل.
وفي قفزة بالأحداث إلى الأمام يتعرف الإعلامي على "أسماء" ويعرف حالتها فيتفاعل مع قضيتها ويطالبها بالظهور بوجهها في الحلقة فتوافق إلى أن زملائها يحاولون إقصائها عن ذلك خوفا على سمعتها وسمعة إبنتها فتتردد في أخر لحظة وتطلب أن تظهر بوجه معتم فيوافق الإعلامي على مضض....وتذاع الحلقة وتحقق صدى واسع وتشاهد إبنتها الحلقة ويخبرها جدها أن المتحدثة هي أمها فتطلب البرنامج وتشيد ببطولة أمها وبسالتها وقوة تحملها ، وعنئذ تقرر "أسماء" الظهور بوجهها أمام المشاهدين لتقول كلمة خالدة" أنا لو مت مش هموت من المرض...أنا لو مت هموت من مرضكم أنتم"..تقصد الجهل في التعامل مع مريض شديد الخصوصية كمريض الإيدز ، يقف بعدها الإعلامي امامها في أحترام مصافحا لتكون المصافحة الأولى بينها وبين أحد بدون قفازها الشهير.
ينتهي الفيلم بمشهد شديدة الضياء والإضاءة والسماحة..."أسماء" تعود إلى بيتها مرفوعة الرأس فرحة أن إبنتها قد علمت حقيقة مرضها وتدخل شارعها حيث تسكن وتقف في صلابة تواجه جيرانها في مشهد صامت وموسيقى تصويرية شديدة الرقي.
الرائعة هند صبري لم تحقق الإجادة والقبض على تفاصيل الشخصية فحسب لكنها قفزت بسنوات عمرها أكثر من خمسة عشر عاما إلى الأمام في توحد مذهل إيماءتها الجسدية ونظرات عينيها ونطق الكلمات تجزم أنها سيدة في أواسط الأربعينيات.
ماجد الكدواني يتفوق على نفسه بسلاسة وقدرة على الإقناع وحبكة شديدة البساطة إستحق عليها أن ينتزع لقب أحسن ممثل عن دوره هذا من مهرجان أبو ظبي.
عمرو سلامة مخرج واعد ماهر في التحكم في ادواته وقادر على توصيل الفكرة بأقصي حدود الإبداع.
فيلم "أسماء" بطولة هند صبري وماجد الكدواني وهاني عادل وسيد رجب تأليف وإخراج عمرو سلامة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق