الثلاثاء، 20 سبتمبر 2011

أنا وصديقي 11

رسالة من صديقي تقول...رأيت فيما يرى النائم
قرر صديقي أن يسافر مصر في زيارة خاطفة...وسريعة...سألته عن السبب ولم يجبني...قال لي أنه قرر ذلك فحسب...وسافر...بعد مرور 24 ساعة من سفره وصلتني منه رسالة إلكترونية يقول فيها :" صديقي اللدود العزيز والأعز...أنا الأن بين أخوتي ومع والدتي في البيت ..هناك في مصر ...أتعلم يا صديقي...رغم كل ما تمر به مصر من ألام مخاض إلا أنها تبقى مصر رغم كل الصعاب  ورغم الحزن الذي يدمي قلوبنا ولهفتنا أن تتحسن الأحوال إلا أن بهجتها باقية ...وزهوتها غالبة...ولكن دعك من هذا كله فمصر محروسة بإذن المولى ورعايته...أريد أن أقص عليك شيئا تكرهه...نعم فأنأ أعلم أنك أصبحت لا تحب حديثي عنها كأنني قد أصابني مس من الجنون وأتوهم شخصا لم يكن موجودا يوما...لكنها كانت معي وحولي يا صديقي...إستمع...وأنصت...دخلت المطار وتم إدخال حقيبتي حيث تذهب ...لا أدري إلى أين المهم أنني قد تخلصت من وزنها الثقيل...ذهبت إلى البوابة التي سأستقل منها طائرتي...ارشدتني المضيفة إلى مقعدي حسب الرقم المدون على التذكرة...جلست ثم عاودت الجلوس ثم عدلت من جلستي...أربط حزام الأمان ثم أفكه ثم أربطه في حركات عصبية لا إرادية لا أدري لها سببا..ربما لأنني منذ زمن لا أحب ركوب الطائرات وأحمل هم طنين الأذن الذي يلازمني لأيام مع نهاية كل رحلة أقطعها...تذكرت أن في حقيبتي الصغيرة كتابا حملته معي كعادتي عند السفر كي ينسيني ثقل الوقت وألم أذني الذي لازمني عن سفري رغما عني...وقفت كي أخرج الكتاب من الحقيبة وإذا بصوت أنثوي من خلفي يقول...المقعد المجاور محجوز؟؟؟ إلتفت وفي نيتي أن أعلق ساخرا كعادتي...دي طيارة مش ميكروباص وفي رقم على كل تذكرة بيلتزم بيه الراكب...لكن عيناي إصطدمت بها...ووقعت عليها...كانت هي...نعم يا صديقي...هي...تلك التي ظننتها شبحا وحاولت إقناعي أنها كذلك...هي حبيبتي...تسمرت مكاني مذهولا...لا أجيب ...أنظر إليها فقط...كانت عيناي تحتضنها غير مصدقة...أأنتي هي حقا؟ أأحلم أنا؟؟...كانت أمامي تتطلع إلى بنظرة مبتسمة يغمرها الخجل كعادتها...أجلستها بجانبي....وجلست...وبقيت صامتا...لا أجرؤ على الحديث...شعرت أن أي كلمة تقطع ذلك الصمت النبيل ستكون سخفا ملعون غير محمود...قطعت هي حبل صمتي وسألتني مبتسمة:كيف حالك...أجبتها وأنا أتمتم سارحا:الأن أم قبل دقائق؟....ضحكت في رقة وقالت:الإثنين.....أجبتها:كنت قبل دقائق نفر وسط مئات المسافرين والأن أنا ملك غير متوج على كل هؤلاء.....سألتها:أين كنتي لقد قلبت الدنيا بحثا عنك؟...نظرت إلي بعين يملؤها الحب وفي عينيها نظرة حزينة:إنك لا تعلم ما مررت به..كان ما رأيته فوق الإحتمال...ربت على يدها حانيا وسألتها:ماذا حدث ولما إختفيتي...أريد أن تخبريني بكل شيء؟...أبعدت يدها عن يدي وهي تبتسم إبتسامة مرتبكة...إن حبيبتي كما هي...نقترب ونقترب وتبقى كما هي...خجولة تملؤها الرقة...أجابتني:إستدرات بي الدنيا رقصت معي رقصتها المميتة...كنت وحدي حين كنت أنت ليس بمقدورك أن تكون بجانبي...إستأسد علي النعاج وكادوا أن يوصلوني إلى حافة الجنون ولكني إقتربت من الله قدر إستطاعتي وكان لي معينا وناصرا والحمدلله الأن انا أفضل في كل شيء....نظرت إليها في حب سائلا:وأين تذهبين الأن؟ أجابتني ضاحكة: هل تذهب تلك الطائرة إلى مكان أخر غير مصر؟؟؟ ضحكنا...وضحكنا كأننا نضحك كي نتذكر فقط ما كان بيننا من ضحكات...إشتقت إلى ضحكتها حقا...قطع ضحكاتنا شخص سمين يبدو عليه وقد تجاوز الخمسين من العمر بقليل...إقترب منا مرتبكا يداعب أرنبة أنفه في خجل وقف أمامنا وأخذ ينظر في تذكرته وينظر حيث تجلس حبيبتي كأنه يتأكد من الرقم لعله مخطيء...كنت أعلم أن هذا ليس مقعدها...قطعت عليه حبل تردده وقلت له مستئذنا:هل من الممكن أن تبادل مقعدك مع مقعدها إذا كان ذلك في الإمكان؟...إبتسم الرجل في خبث كأنه يريد أن يخبرني أنه قد فهم أن الصدفة جمعت بيننا على غير ميعاد...وذهب.....جلست أحاول تنظيم أنفاسي المتلاحقة ....لا أصدق حتى الأن أنها معي...منذ دقائق كنت أكاد أقتل نفسي ضجرا وضيقا والأن....الدنيا كلها معي...أنا وهي معا..فوق السحاب...لقد وقعت في غرام السفر والطائرة منذ أن وقعت عليها عيناي....قطعت علي حبل أفكاري وسألتني هامسة:فيما تفكر؟ نظرت إليها وأجبتها في صوت هامس مماثل:لقد بحثت عنك في كل مكان...همست في أذني ضاحكة:لو سألت قلبك لأرشدك...أجبتها: لقد حول حبك كل أعضائي إلى قلب ينبض بإسمك...إبتسمت في خجل وأطرقت برأسها تنظر إلى موضع قدميها وتداعب أصابعها بيدها في إرتباك.....قلت لها:إفترقنا رغما عنا وجمعنا الله سويا الآن ...دعينا لا نفترق ثانية...نتزوج فورا...الأن...إن أي حياة لست معي فيها هي ضرب من الجنون والهوس أريدك معي بجانبي...نظرت إلي بعين حزينة وقالت:أدعو الله أن يحدث ذلك...أجبتها في قلق: وماذا يمنع؟؟هل تظنين أن أعصابي وكياني بات في وسعه أن يتحمل مزيدا من الفراق؟؟؟ أجابتني:أنا أيضا لم أعد أستطيع تحمل هذا الفراق السخيف...ولكن مشيئة الله فوق كل مشيئة....سألتها وعيني تحتضن وجنتيها:ومن ادراك أم مشيئة الله قد كتبت علينا الفرقة والتشتت؟...بادلتني بنظرة حب واجابت:كلما إجتمعنا نفترق وكلما عزمنا على ألا نبتعد يأتي من يفرقنا...أحتضنت يدي يدهاوقلت لها هامسا:ذلك كان...في الماضي...لن نفترق ثانية...سألتها:أمستعدة أنتي أن نقاتل من أجل ما نريد؟ إبتسمت وقالت في رقة:أقاتل معك شرط أن لو حدث ووقعت في الأسر أكون أسيرتك انت وليس غيرك....ضحكت وودت لو ضممتها إلى صدري...تذكرت كلمات "علي" في رواية "رد قلبي" عندما قال عندما جمعه القدر بـ"إنجي" حبيته " تمنيت لو فني الوجود فليس بعد هذا...وجود"...نعم تمنيت لو بقينا سويا في الطائرة طوال عمرنا حتى لا يفرقنا شيء .....قطعت المضيفة حبل وصالنا وجاءت حاملة معها وجبات الطعام...إبتسمت إلينا خجلا كأنها تعلم أنها قطعت حديثا لا يجب أن يقطع وسألتنا سؤالا غذائيا بحتا:تحبوا لحمة ولا فراخ؟؟؟أجابتها حبيبتي في سرعة:أنا لا أريد طعاما...وأجبتها أنا أيضا بإجابة مماثلة...إبتسمت لنا ضاحكة وقالت:لا تقلقوا الغداء على حساب الطائرة....ضحكت حبيبتي وقالت:طالما على حساب الطائرة فانا اوافق...وأجبت أنا: يا ريت حلبة وطاولة بأة بعد الغدا....وضعت هي الطعام وانصرفت ضاحكة...نظرت إليها بإبتسامة تملأ قلبي قبل شفتي وبادلتني بإبتسامة مماثلة...همست في أذنها:ما رأيك لو أطعمتك أنا كما كنا نفعل في السابق...هناك في مياس....إبتسمت في خجل ولكزتني بكتفيها في خفة وقالت: الطعام سيبرد....أكلنا في عجلة وسرعة...إن الفرحة يا صديقي إما أن تصيبك بالجوع أن تملؤك بالشبع...وشبعنا انا وهي من فرحة اللقاء...جلسنا نتحدث في كل شيء وأي شيء فكل حديث معها رائع وكل كلمة تنطق بها تحملني إلى حيث أحب...قالت لي...كنت قلقة عليك...أجبتها:أما أنا فما زلت وسأظل قلقا عليك حتى يجمعنا الله في بيت واحد...سألتني في رقة: أتريد ذلك حقا...ربت على كتفيها وأجبتها في حب جارف:أنا لا أريد في دنياي غير هذا.....وسألتها:أتحبينني؟....إبتسمت في حياء أحبه وقالت:تعلم ذلك جيدا بل إن كل الدنيا تعلم......سألتها في لهفة:نتزوج إذا...دعينا نفعل....أجابتني وقد أمسكت يدي تطبطب عليها:الصبر...سنفعل بإذن الله ولكن...بالصبر....هبطت الطائرة بنا في مطار القاهرة...أسرعت حبيبتي الخطى أسرعت خلفها أسألها ..إلى أين: قالت لي في إرتباك: زوج شقيقتي سينتظرني هنا ولا أريده أن يرانا سويا...قلت لها في ضيق: وماذا لو رأنا طالما سنتزوج؟؟؟ اجابتني في صوت حزين:لا أحتاج منك سوا بعض الصبر...قلت لها :أحبك ولم أعد قادرا على ذلك البعد...أجابتني:ومن يقدر على هذا؟؟!!...تصافحنا مصافحة العشاق...وإبتعدت...وقفت أتابعها بعيني لعلها تحفظها مما اخاف....قطعت عدة أمتار مبتعدة وأستدرت أنا أبحث عن إخوتي حيث ينتظرونني...وإذا بصوت يناديني...إلتفتت فوجدتها تعدو ناحيتي وهي تلهث...سألتها في حب:خيرا؟ أجابتني في صوت لاهث:أردت أن أقول لك شيئا هاما....قلت لها:كلي أذان صاغية...قالت........ ثم أصابع خفيفة تطرق على كتفي وتهزني هزات خفيفة فتحت عيني فوجدت مضيفة الطائرة تقول لي بلهجة مهذبة:لقد أوشكت الطائرة على الهبوط الرجاء ربط حزام الأمان....دارت الدنيا برأسي وأنتابني غضب الدنيا كلها...لقد كنت أحلم!!!!!!!!!!كل هذا اليقين كان حلما!!!!!! نظرت إلى المضيفة في غضب قائلا: حزام الأمان مربووووط...أجابتني وقد تلعثمت مرتبكة: وممنوع التدخين أيضا....لم أستطع منع غيظي فاجبتها صارخا: هل رأيتي يوما نائما يدخن ثم إنني لأ أدخن من الأساس...هرولت المضيفة مبتعدة في خجل وأرتباك وانا أتابعها بعيني في غضب ....وذهني معلق بشئ واحد..ماذا أرادت أن تقول لي حبيبتي؟؟ماذا؟؟ حاولت العودة إلى النوم لعلي أكمل حلمي الجميل ولكن المحاولة باءت بالفشل...عصرت ذهني عصرا..ماذا كانت تريد أن تقول؟؟؟ وانا على سلم الطائرة وقفت تلك المضيفة تودع المسافرين بإبتسامة مصطنعة وما إن رأتني حتى بدا عليها الارتباك وقالت:رحلة سعيدة وحمدالله على السلامة....أجبتها في غضب:على سلامتي انا أيوة سلامتك انتي لأ...أطرقت رأسها خجلا وأرتباكا...نزلت من الطائرة أستقبلني أخوتي ...كنت شاردا أفكر...ماذا أرادت أن تقول حبيبتي...سألتني شقيقتي: ما بك؟ أجبتها: كانت تريد أن تقول لي شيئا ولكن........قاطعتني في دهشة: من هي؟...نظرت إليها قليلا ثم قلت:لا أحد ...ذهبنا إلى البنت أستقبلتني أمي في شوق وسألتني:كيف حالك يا حبيبي...أجبتها:أمي لقد أرادت أن تقول لي شيئا....نظرت إلى أمي وقالت متعجبة: من يا ولدي ومتى؟...قلت لها:كانت معي وهمت أن تخبرني بشئ ثم جاءت تلك المضيفة و.....صمت فجأة خشية أن يتهموني بالجنون.....صديقي...ترى....بماذا كانت تريد حبيبتي أن تخبرني؟؟ فكر معي وأكتب لي بما وصل إليه ذهنك"
إنتهت رسالة صديقي وإنتهى معها أملي في أن ينساها يوما...إنه يتكلم عنها في صحوه ويتكلم معها في منامه...يعشقها برا...ويحبها بحرا....ويهيم بها جوا أيضا....لقد ملكت عليه فتاته الدنيا وما فيها....أشكر المضيفة أنها قد أيقظته في تلك اللحظة ولو كنت مكانها لفعلت من شدة غيظي....إنني أرى حبا سمعت به عمري كله وكنت أظنه خرافة لا تحدث.
ولا يزال للحديث مع صديقي بقية.....




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق